القاضي احمد صواب يخرج عن صمته و يوجه رساله عاجلة و هامة للشعب ..

القاضي احمد صواب يخرج عن صمته و يوجه رساله عاجلة و هامة للشعب ..


وجّه القاضي ووكيل الرئيس الأول بالمحكمة الإدارية أحمد صواب رسالة مفتوحة

موجهة الى الرأي العام التونسي موضحا فيها الاسباب التي دفعته الى الاستقالة، حيث قال فيها  إنّ التمديد للرئيس الأول للمحكمة الإدارية لمدة سنة بعد بلوغه السن القانونية للتقاعد بأمر حكومي، يشكل اعتداء فاحشا على السلطة القضائية وخرقا فادحا للدستور بل انقلابا خطيرا على المكاسب التي حققها القضاة. معتبرا أنه في حال صمته إزاء هذه الحالة يرقى الى حدّ التواطؤ. وجاءت رسالة أحمد صواب التي قامت بنشرها صحيفة المغرب كالآتي:
“1 – حيث أتذكّر أنّ دخولي إلى القضاء الإداري كان على أساس أنّ القضاء إيمان وعدل وأخلاق،
2 – وحيث عشت وقضاة تونس منذ بناء دولة الاستقلال هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء وتوظيفه، وعانينا من سعيها المتواصل إلى تركيع القضاة وتهميشهم،
3 – وحيث أنّي مدين لشعب تونس الذي حقق الثورة وحرّر القضاء والقضاة،
4 – وحيث أقف إجلالا لنضالات وتضحيات أجيال القضاة الشرفاء والمتعففين الذين سبقوني، من أجل قضاء مستقل وعادل،
5 – وحيث أرى أنّ أفضل الشعارات التي رفعها جمهور القضاة من كافة الأقضية في أكبر وقفاتهم أمام قصر العدالة ذات يوم 12 فيفري 2011 هو “يسقط قضاء السلطة، يحيا قضاء الشعب”،
6 – وحيث أتبنى بالكامل رأي أستاذي العميد عياض بن عاشور القائل بأنّ بناة دولة القانون هم القضاة الشرفاء وليس قضاة الأمير ودار إفتائه،
7 – وحيث أفتخر بما تضمّنه دستور تونس الجديد من أحكام تكرّس استقلالية القضاء في أقصى تجلياتها، وأهمها ما ورد بالفقرة الثالثة من التوطئة والفصول 102 و103 و109،
8 – وحيث أنّ تسمية الرئيس الأوّل الحالي في 17 مارس 2014، ثمّ تسميتي وكيلا له في 10 أكتوبر من نفس السنة، كانتا نتيجة نضالات نقابيات ونقابيي اتحاد القضاة الإداريين والتي فرضت – إلى حين إرساء المجلس الأعلى للقضاء– إسناد الخطط القضائية، بما في ذلك خطة الرئيس الأوّل ووكيله، وفق معيار موضوعي وحيد وهو الخطة الأعلى في المحكمة وعند التساوي الأقدمية في ذات الخطة،
9 – وحيث أؤكد أنّ التمديد للرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية لمدة سنة بعد بلوغه السنّ القانونية للتقاعد، بأمر حكومي صدر في 27 مارس 2015 تحت عدد 10، ونُشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في نفس التاريخ (؟ !)، يُشكّل اعتداءا فاحشا على السلطة القضائية وخرقا فادحا للدستور، بل انقلابا خطيرا على المكاسب التي حقّقها القضاة،
10 – وحيث أرى أنّ صمتي أمام هذه الحالة يرقى إلى حدّ التواطؤ وكذلك الخيانة لدم الشهداء ولنضالات القضاة السابقين، لا سيّما أنّ البلاد تعيش آخر مراحل إرساء المجلس الأعلى للقضاء، فضلا عن أهمية المنصب موضوع التمديد وصلاحياته،
11 – وحيث أنّ دور الرئيس الأوّل داخل المحكمة الإدارية في مادة توقيف التنفيذ بالخصوص، إضافة إلى عضويته بالصفة بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، علاوة على رهانات المرحلة القادمة وبالتحديد الانتخابات البلدية، تجعل من التمديد له، بعد أن تمّ الاتفاق والتوافق على عدم التمديد لأي قاض وهو ما التزمت به الحكومة السابقة، أمرا يثير الريبة ويفقد المحكمة مصداقيتها ويهدر رصيدها الثابت من فقه قضائها بوصفها قاضي الشرعية وحامي الحقوق والحريات،
12 – وحيث أتمسّك ببيان اتحاد القضاة الإداريين الصادر في هذا الشأن بتاريخ 6 أفريل 2015، وخاصّة في ما تضمّنه من التنبيه «إلى خطورة الإجراء من قبل أوّل حكومة في ظل الجمهورية الثانية، خاصّة وأنّه يستبطن محاولة مشبوهة للالتفاف على صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء المزمع إرساؤه، وسعيا إلى فرض أمر واقع يُخشى أن يكون بداية لمحاولة وضع اليد على هذه المؤسسة»،
13 – وحيث أندّد بشدّة بطلب الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية التمديد له في خطته بعد بلوغه سن التقاعد القانونية وبقبوله هذا التمديد، ذلك أنّ الأمر يشكّل لا محالة إهانة للقاضي العادل والشريف والمستقلّ، وكذلك خطرا على حقوق المتقاضين خاصّة إذا كانوا في مواجهة الأمير وأعضاده وأتباعه وأذنابه، وأستعير في هذا السياق ما قاله ابن خلدون من أنّ الظلم هو اليد الممدودة التي لا تعارضها قدرة،
14 – وحيث أملتُ بعد قيام الثورة وصدور الدستور الجديد والشروع في إرساء مؤسسات الجمهورية الثانية أن يتمّ القطع مع هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وأن يعامل القضاء كسلطة مستقلة وفق المعايير الدولية،
15 – وحيث خاب ظني في حكّام اليوم الذين نجحوا حيث فشل النظام السابق، نجحوا في الحطّ من مكانة المحكمة الإدارية وفي النيل من استقلاليتها وفي الإضرار بسيرها العادي بسبب الرغبة الجامحة في المناصب عند البعض والتحكّم الأقصى في كلّ السلطات عند البعض الآخر،
16 – وحيث لا يسعني والحالة تلك إلاّ أن أستحضر قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته إلى أبي موسى الأشعري «من خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن بما ليس في نفسه شانه الله»،
17 – وحيث بناء على كلّ ما ذُكر، صرت مقتنعا أنّه أمسى من المستحيل مواصلة تحمّل خطة وكيل لرئيس أوّل مُمدّد له، طالما أضحى فاقدا موضوعيا لحياده وحتميا لاستقلاليته، ناهيك أنّ التمديد قابل للسحب أو للنسخ من قبل السلطة السياسية التي منّت عليه به.
ولكلّ هذه الأسباب،

قرّرت وذلك من دون رجعة ما يلي:
1 – الاستقالة من خطة وكيل الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية.
2 – مواصلة رسالتي القضائية عبر رئاسة الدائرة التعقيبية.
3 – الالتزام بعدم ترشحي إلى منصب الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية إلى حين بلوغي السنّ القانونية للتقاعد.
4 – رفضي النهائي والباتّ لكلّ ترشيح أو تسمية في خطة الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية، وذلك في جميع الصور والحالات.
5 – مواصلة نضالي النقابي كعضو قاعدي باتحاد القضاة الإداريين”.
المصدر : جريدة الجمهورية