الفساد في قطاع النفط في تونس : مافيا الذهب الأسود تنهب الثروات.. ومجلة محروقات على مقاس العصابات..!؟




ان عملية النهب والسطو المخطط لها باحكام من قبل عملاء بالداخل ولصوص من الخارج لنهب ثروة بلادنا من النفط بدأت رائحتها تفوح منبئة بوجود فساد من العيار الثقيل أثقل كاهل البلاد وحرم مواطنيها من حقهم في  الاستفادة من ثروات بلادهم.

فالفساد في قطاع النفط موضوع شائك ويصعب الخوض فيه نظرا للتكتم على المعلومة والوثائق وعدم تعاون المؤسسات المعنية واستعدادها لرفع الالتباس والغموض الذي يحيط بهذا القطاع.

وتزخر بلادنا حسب بعض خبراء المناجم والنفط بثروات نفطية كفيلة بايجاد حلول جدية للمشاكل الأساسية التي نعيشها كالبطالة والفقر.

فرغم تعالي بعض الاصوات المطالبة برفع الستار وكشف النقاب عن الفساد المستشري في قطاع النفط يظل هذا الملف معقدا وتحيط به الأسلاك الشائكة من كل جانب. وفي واقع الحال استشرى الفساد في قطاع الطاقة بصفة عامة ومجال النفط بصفة خاصة من العهد النوفمبري وتواصل بعد الثورة وظل هذا الموضوع لغزا يتهرب العارفون بالمجال من فك طلاسمه  وكأنه من المحرّمات لكن عددا من الخبراء أبوا الا أن يكشفوا خفايا مفزعة لفساد مستشر بقطاع النفط.

وقد تولت جمعية «توانسة ضد الفساد»  رفع  العديد  من قضايا الفساد في مجال النفط، مما جعل بعض الشركات الناشطة في المجال تحاول ارشاءها قصد سحب هذه القضايا واسكاتها.

مصادر أخرى تؤكد أن هناك محاولة من طرف مسؤولين في المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية لبيع الأرشيف الجيولوجي للبلاد لاحدى الشركات الأجنبية ويأتي تقرير دائرة المحاسبات مؤكدا لما يتم ترويجه بخصوص هذا الملف.

رشاوى ورخص مشبوهة ومجلة محروقات تسهل النهب وهبات وترقيات للفاسدين ولصوص يلهثون وراء مزيد تعبئة رصيدهم ما دامت الحكومات المتعاقبة على الحكم لم تحرك ساكنا ولم تفتح ملفات الفساد في قطاع النفط.

صمت رهيب يحيط بهذا المجال مما يوحي بوجود نوع من التواطؤ… مع مافيا البترودولار… فما حقيقة ما يحدث في هذا المجال؟

تزخر بلادنا بمخزون نفطي هائل قد يغير واقعها ويساهم في انتعاشة الاقتصاد والنهوض به لو فتحت ملفات الفساد في المجال المذكور هذا ما أكده لنا عديد الخبراء الذين اعتبروا هذا الموضوع مسكوتا عنه لغايات سياسية بحتة ولانه يشهد أكبر عملية فساد مما يجعله يبقى محل شك وغموض لكن تحركهم جعل رائحة الفساد تفوح وبدأت أسراره تكشف. وأيضا سعت عديد الأطراف المختصة في المجال لفضح جميع أنواع الفساد في هذا المجال وكشف مرتكبيه حيث أفاد السيد كريم بن علي كاتب عام جمعية «توانسة ضد الفساد» أن الجمعية رفعت 27 قضية تخص الفساد في مجال النفط والغاز الى المجلس التأسيسي وأيضا الى القضاء وهناك عمليات متواصلة من طرف الجمعية للتصدي لأي نوع من أنواع الفساد في مجال الطاقة وكل من يسعى للتلاعب بثروات البلاد.

شركات مختصة في مجال النفط تسعى لإرشاء الجمعية

وسعيا منها لإسكات الجمعية ولملمة  حكاية الفساد بالقطاع عملت بعض الشركات المختصة في مجال النفط على إغراء الجمعية بتقديم  رشاوى لممثليها مقابل سكوتهم وسحب شكاويهم  هذا ما صرح به السيد كريم بن علي مبرزا أن لديهم تسجيلات صوتية تؤكد هذه الحقائق المخجلة وهي لن تثني الجمعية عن مواصلة تصديها لجميع أنواع الفساد والتلاعب بثروات البلاد.

خمس رخص تنقيب مشبوهة

سلسلة كاملة من الغموض تحيط بملف النفط تصحبها مساع محمومة من أطراف متعددة لطمس الحقائق ويقابلها تصد مستميت من أطراف أخرى لكشف الفساد بمجال النفط هذا الملف الذي مازال يمثل موضع جدل بين جميع الأطراف المتدخلة في القطاع والجميع في انتظار ما ستبرزه الأيام القليلة القادمة. إن قضايا الفساد في المجال المذكور يتم النظر فيها من قبل لجنة الطاقة والقطاعات الانتاجية بالمجلس الوطني التأسيسي هذا ما بينه رئيس هذه اللجنة السيد شفيق زرقين مؤكدا أنه قد وصلتهم مراسلة من قبل جمعية «توانسة ضد الفساد» تتضمن خاصة التأكيد على وجود خمس  رخص تنقيب مشبوهة واللجنة بصدد التثبت  من مدى صحة ما يقال ثم بعد ذلك ستتخذ الاجراءات اللازمة في هذا الشأن.

استرداد خيراتنا… ثم المحاسبة…

ملفات الفساد التي تهم ثروات بلادنا كثيرة وقبل محاسبة مرتكبي الفساد لا بد من استرداد خيرات البلاد هذا ما عبر عنه النائب بالمجلس التأسيسي السيد طاهر هميلة مبينا أنه أول من أثار هذه القضية الكبرى بالمجلس التأسيسي ودعا الى ضرورة معالجتها بعقلانية وبمنهجية واضحة تعتمد بالأساس على مراجعة العقود الممنوحة للشركات الناشطة بالمجال المذكور والتفاوض مع الخبراء ورجال القانون في هذا الشأن قصد استرجاع ثروات البلاد والترفيع في نصيب تونس من رزقها وبين محدثنا أن الفساد المتفشي في القطاع يعود بالأساس الى بعض المسؤولين الفاسدين العاملين في القطاع ويأمل أن يتم التوصل الى حل لهذه  المعضلة في الأشهر القليلة القادمة.

فساد من الوزن الثقيل: محاولة بيع الأرشيف الجيولوجي…

يعرف قطاع النفط بتونس فسادا من الوزن الثقيل تشرف عليه أياد جشعة تسوقها أطماعها لمزيد تعبئة رصيدها بالأموال رامية عرض الحائط مصلحة البلاد  هذا ما أكده   مصدر  مسؤول   بالمؤسسة  التونسية للأنشطة البترولية فضل عدم ذكر إسمه لأسباب تعود بالأساس للضغوطات التي من الممكن أن تمارس عليه حيث ذكر أن المؤسسة المذكورة ينخرها الفساد منذ العهد البائد وتواصل الى حد يومنا هذا على نفس النسق ومن مظاهر الفساد محاولة بيع الأرشيف الجيولوجي للمؤسسة المذكورة لإحدى الشركات الناشطة في المجال واصفا هذه العملية بفساد من العيار الثقيل باعتبار أنها تقدم جميع المعطيات المتعلقة بالمخزون الطاقي لهذه الشركة وذلك بمقابل  مالي ضخم وقد تم إيقاف هذه العملية والتصدي لها بعد الثورة لكن بعض  المسؤولين عن هذا النوع من الفساد مازالوا يعملون بالشركة بل تمت ترقيتهم  والفساد مازال متواصلا بوجودهم بالمؤسسة في حين أن كل من يحاول التصدي لهم يتم إسكاته إما بإقصائه من العمل أو بطرق أخرى تكون نتيجتها إبعاده عن طريقهم  ويأتي تقرير دائرة المحاسبات مؤكدا لعمليات الفساد والمخالفات التي شهدها هذا القطاع.

10 رخص استكشاف و41 رخصة بحث…

فقد بين هذا التقرير أن عدد التراخيص سارية المفعول بلغ 51 رخصة سنة 2011 تتوزع بين 10 رخص استكشاف و41 رخصة بحث تغطي حوالي ٪68 من المحيط النفطي الوطني وتبين أن تاريخ إسناد حوالي ٪31 منها يعود الى أكثر من 10 سنوات وتمت ملاحظة مخالفة مقتضيات مجلة المحروقات من قبل المستثمرين المتصرفين في أكثر من رخصة حيث يتولون تحويل جزء من الالتزامات التعاقدية من رخصة الى أخرى مما يمكنهم من انجاز أشغال تفوق واقع التعهدات المنصوص عليها بإحدى الرخص وإحالة الجزء الإضافي من هذه التعهدات الى الرخص الأخرى دون انجاز فعلي للأشغال المضمنة بالإتفاقيات المتعلقة بها. وترتب عن هذه الوضعية بالخصوص عدم دفع الغرامة التعويضية المنصوص عليها في اطار الاتفاقيات المبرمة بسبب عدم انجاز المستثمر للأشغال الضرورية للبحث عن المحروقات بالرخصة اللاحقة.

هذا وبينت دائرة المحاسبات أيضا أن استثمارات البحث والاستكشاف المنجزة خلال الفترة 2007 ـ 2010 والمقدرة بحوالي 1778 مليون دينار مكنت من حفر 64 بئرا استكشافية وانجاز 22.747 مسح زلزالي وبلغت استثمارات التطوير على مستوى امتيازات الانتاج على امتداد الفترة المذكورة حوالي 7076 مليون دينار مثلت حصة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ٪29 منها. واتضح  أن المؤسسة المذكورة لا تتولى المصادقة المسبقة على مصاريف أشغال الاستكشاف وهو ما من شأنه أن يثقل كاهلها بمبالغ مغالى في تقديرها من قبل الشريك وذلك في حالة ثبوت اكتشاف بترولي قابل للاستغلال اقتصاديا حيث يكون من الصعب في اطار المراقبة اللاحقة للمصاريف من قبل المؤسسة امكانية التحقق بصفة فعالة من مشروعية المبالغ المصروفة.

غموض حول الانتاج الحقيقي للنفط…

عمليات التحيل ونهب ثروة البلاد من النفط فسرها السيد رضا مأمون (خبير في المجال) بقوله أن جميع المسؤولين في الدولة ليس بمقدورهم تقديم رقم حقيقي حول انتاجنا النفطي مؤكدا أن الأرقام المقدمة من قبل وزارة الصناعة لا تمت للواقع بصلة وأضاف أن انتاج تونس من النفط يفوق كثيرا ما هو معلن ولا يمكن حصره بسبب عمليات النهب التي تقوم بها الشركات العاملة في القطاع لهذه الثروة الاستراتيجية، مبينا في الآن ذاته أنه لو تسعى الحكومة الى حصر كميات النفط المنهوبة والمطالبة بالضرائب المقدرة على الشركات العالمية لكان ذلك أفضل للنهوض باقتصادنا. مبرزا أيضا أن استغلال الشركات الأجنبية للثروات النفطية لا يخضع الى المراقبة الكافية من قبل الدولة التي لا تتبع الصرامة الضرورية في معالجة ملف بهذا الحجم له انعكاسات على حاضر ومستقبل البلاد ويمكن أن يوفر عائدات للخزينة العامة أضعاف ما هو متوفر حليا، من ذلك أن آبار النفط تستغل بصفة اعتباطية في كثير من الأحيان.

مجلة «نهب» المحروقات…

تفشي الفساد في قطاع النفط يعود بالأساس وحسب الخبير في الشؤون الجبائية السيد لسعد الذوادي الى الاطار التشريعي للقطاع حيث اعتبر أن مجلة المحروقات بطبيعتها الحالية تضر بالقطاع وتخدم الشركات متعددة الجنسيات أكثر مما تخدم الدولة. من ذلك أن الدولة تقتسم قيمة البئر مع الشركة المستكشفة بعد احتساب المصاريف. وهو أمر غريب يعكس فكرة خاطئة كأن الشركة المستكشفة للبئر تملك الأرض بالتساوي مع الدولة حتى تقتسم معها قيمة البئر بالتساوي. ومن السلبيات كذلك أن مجلة المحروقات تعطي حصانة  لبعض شركات النفط مثل الشركات الايطالية التي لا يمكن تتبعها أمام القضاء التونسي وهو أمر يمس من السيادة الوطنية هذه الأسباب وغيرها تجعل من الضروري والعاجل إلغاء العمل بمجلة المحروقات والعمل على استبدالها بإطار تشريعي اخر أكثر عدلا وإنصافا على حد قول مخاطبنا الذي دعا أيضا الى ضرورة إرجاع الحق لأصحابه أي الى الشعب التونسي صاحب هذه الثروة وهو أولى بعائداتها من المستغلين الأجانب. هذا واعتبر أن من المظاهر الغريبة هي استنزاف العملة الصعبة من قبل شركات الصيانة بقطاع النفط حيث أن هذه الشركات معفية تماما من الضرائب بينما تحقق أرباحا خيالية في كثير من الأحيان لا تحققها أكبر الشركات التونسية العاملة في قطاعات أخرى. وهو ما حرم بلادنا من عائدات كبيرة من الضرائب. ولإنقاذ مستقبل القطاع النفطي ببلادنا دعا محدثنا الى ضرورة وضع حد لتغول الشركات متعددة الجنسيات العاملة في بلادنا معتبرا أنه أينما توجد هذه الشركات تجد الفساد والمفارقة أن النفط المستخرج من بلادنا رغم أنه ملك للدولة التونسية الا أن الشركات الأجنبية تبيعه لنا بالأسعار العالمية بعد استخراجه كأنه لم يستخرج من أرض تونس. مسألة معالجة ملفات الفساد ضرورة ملحة دعا اليها عديد الخبراء بل وأكد البعض منهم أن المسؤولين عنه والذين شغلوا لسنوات مناصب ادارية في شركات النفط العمومية وقدموا تسهيلات للشركات العالمية الخاصة وقعت مكافأتهم من طرف هذه الشركات من خلال إلحاقهم بمناصب هامة داخلها وحصولهم على مرتبات مرتفعة بعد الثورة. ذلك أن الخبير في المناجم والنفط السيد لزهر السمعلي دعا أيضا الى ضرورة تعليق العمل بمجلة المحروقات لانها مجلة «نهب» على حد قوله معتبرا أن الاطاحة بالنظام السابق مكنت من رفع الستار وإماطة اللثام عن تفشي الفساد الإداري والمالي الممنهج في المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وجل فروعها مفيدا في الآن ذاته أن الفساد مازال مستشريا في المنظومة الطاقية وأن الحكومة الحالية لم تضع حدا للنهب والتفريط في  ثرواتنا النفطية وذلك من خلال الوقف الفوري لكل امتيازات الاستغلال التي منحت طيلة حكم المخلوع بطرق مشبوهة وأيضا مراجعة العقود النفطية وتعليق العمل بمجلة المحروقات التي تمكن من نهب ثروات بلادنا والتي وضعها أزلام النظام السابق على مقاس الشركات الناشطة في المجال والاحتكارية والمستنزفة للثروة النفطية وبين محدثنا أيضا أنه بعد ما يزيد عن نصف قرن من البحوث والاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز من قبل الشركات الأجنبية يتضح من خلال خريطة المجال النفطي أن ما يقارب ٪85 من مساحة البلاد التونسية مغطاة برخص البحث والاستكشاف وامتيازات الاستغلال تحت سيطرة شركات أجنبية متعددة الجنسيات يفوق عددها الخمسين شركة.

أما عن تزود السوق المحلية فقد اعتبر السيد لزهر خبير المناجم والنفط أن الفساد في المنظومة النفطية مستثمر بصفة كبيرة ولا يمكن حصره حيث أن مجلة المحروقات لم تعط سوى قسط ضئيل للأسواق المحلية لذلك دعا الى ضرورة فتح ملفات الفساد في القطاع والحد منها لأن تونس وعلى حد قوله تزخر بثروات بترولية كفيلة بفتح مواطن شغل كبرى تجعلها تتقدم اقتصاديا.

أجمع الخبراء والمحللون الاقتصاديون أن بلادنا غنية بثروة نفطية كفيلة بتلبية حاجيات شعبها وضمان إيرادات هامة للخزينة العامة كما اتفقوا أيضا على كون ثروة بلادنا مهدورة وتتصرف فيها مافيا النهب والسرقة وتسيطر عليها شركات أجنبية. وأن هذا الملف يشوبه الكثير من التعقيد والغموض رغم محاولة عديد الأطراف بعد الثورة كشف خفاياه وإماطة اللثام عن الفساد المستشري به ورغم ذلك يبقى السؤال مطروحا عن مدى مصداقية ما يذكره الخبراء من كون بلادنا تسبح فوق حقول من النفط؟ وان صح ذلك هل ستكون الحكومة القادمة قادرة على مجابهة مافيا الفساد في هذا المجال؟



سميحة الهلالي

المصدر : الصحافة اليوم