أين اختفى «الصندوق الأسود» للتلفزة التونسية: جنازة بورقيبة..سفاح نابل..ومحكامات الاتجاه الاسلامي تندثر من الأرشيف




مع مرور كل ذكرى لرحيل الزعيم الحبيب بورقيبة الموافقة لـ6 أفريل يتداول رواد المواقع الاجتماعية صورا لجنازة الزعيم التي مررتها قناة نسمة بعد الثورة وبصفة حصرية، وبالعودة الى تاريخ الجنازة نلاحظ أن القناة الوحيدة التي صورتها في تلك الفترة هي القناة الوطنية حيث وفرت مؤسسة التلفزة وحسب المعلومات المتوفرة التي رصدتها أخبار الجمهورية فريقا خاصا ومتكونا تقريبا من 10 كاميرات لمواكبة الجنازة وتصويرها لكن وبأمر رئاسي تمت صنصرة الحلقة الخاصة بجنازة بورقيبة ولم يقع بثها، وهذا أمر طبيعي زمن الصنصرة في عهد الطاغية، لكن السؤال المطروح هنا هو كيف تمكنت قناة خاصة من الظفر بتسجيلات حصرية للقناة الوطنية ومن وفّرها لها وكيف غادرت تلك التسجيلات النادرة مقر مؤسسة التلفزة..تساؤلات تجرنا الى موضوع أعمق ألا وهو الأرشيف السرّي للتلفزة الوطنية أو ما يعبر عنه بين أبنائها بالصندوق الأسود، وهنا ما سنحاول البحث عنه من خلال هذا التحقيق...
بعد عديد الاتصالات والبحث عن الأرشيف الخاص للتلفزة الوطنية، علمنا من بعض المصادرة القريبة من كواليس هذه المؤسسة أن الأرشيف السرّي يختلف عن الأرشيف العادي الذي يحفظ في أماكن عادية في حين يقع وضع الأرشيف الخاص إمّا بقصر قرطاج أو بالمصالح المختصة بوزارة الداخلية أو بمكتب الرئيس المدير العام حيث لا تطاله الأيادي..
وعلمنا من مصادرنا أن الصندوق الأسود للتلفزة التونسية هو عبارة عن كل ما هو غير قابل للبثّ عهد المخلوع، والذي يمس الأمن القومي أو »يقلق» وهي التعلّة التي كان يقدمها انذاك عبد الوهاب عبد الله في تلك الحقبة على غرار محاكمات الاتجاه الاسلامي وشهادات خاصة قد تعود بـ«الضرر» على مصالح الرئيس وحاشيته ..
نقاط استفهام حول تسجيل سفاح نابل 

ومن بين الأمور الأخرى التي توفرت لدينا اضافة الى تسريب الجنازة الحصرية للزعيم الراحل بورقيبة،ـ وهنا نشير الى أن مسألة تسريب هذه التسجيلات لا تستحق الكثير من التفكير، اذا بحثنا عن هوية الرئيس المدير العام للتلفزة الوطنية في تلك الفترة ـ من هذه الأمور هي بث قناة التونسية صورا وتسجيلا نادرا لجلسات التحقيق والتشخيص  مع الناصر الدامرجي الملقب بسفاح نابل وذلك في برنامج «رفعت الجلسة» وهنا نذّكر أن ذلك التسجيل يعود بالأساس الى برنامج المنظار الذي كانت تبثه القناة الوطنية حيث تم تسجيل اعترافات سفاح نابل بداية التسعينات، وفجأة تم بثه لاحقا في قناة التونسية، مع العلم أن هذا التسجيل موجود حاليا بكل من وزارة الداخلية وبرئاسة الجمهورية، ويذكر أن أصل التسجيل وقع بثه على قناة التونسية لا يحمل شعار التلفزة التونسية مما يعني أنها نسخة أصلية لم تبث قطّ ( بريت)، وفي بداية التسعينات أعلنت التلفزة التونسية أنها ستبث الحلقة الخاصة بسفاح نابل لكن وقع تأجيلها لتبث اثر ذلك بعد اخضاعها لعمليات صنصرة عديدة  .
وقد اتصلت أخبار الجمهورية بمحمد دلال المصور الذي أمن تلك الحلقة الخاصة بسفاح نابل بداية التسعينات والذي أكد لنا أن القناة الوحيدة التي تمتلك اعترافات سفاح نابل هي مؤسسة التلفزة التونسية لأنها كانت القناة الوحيدة الموجودة في المشهد أنذاك، ولئن أكد محدثنا أن التلفزة بثت أنذاك التسجيل الا أنه عبّر عن استغرابه من الطريقة التي تحصل من خلالها برنامج «رفعت الجلسة « على التسجيل.. من جهة أخرى ومن الطرائف التي حدثنا عنه السيد محمد هي أنه قام صحبة الفريق العامل معه بتصوير حلقة خاصة بمباراة نهائي رابطة الأبطال الافريقية بين الترجي الرياضي  والزمالك المصري في 1994 وبعد عملية المونتاج فوجئ في اليوم الموالي باختفاء الحلقة ليجدها فيما بعد تباع في الأسواق الشعبية وهو ما يدّل على وجود من سرّبها ..  
وباتصالنا بالأستاذ منير بن صالحة الذي سبق له وأن بثّ تسجيل واعترافات سفاح نابل ببرنامج «رفعت الجلسة»، أفادنا بكل بساطة أن التسجيل تحصل عليه كهدية من شخص معيّن رفض الافصاح عن هويته، مبينا أن هذا الشخص أهداه اياه قصد بثه بصورة حصرية، كما أفادنا أن هناك نسختين فقط من اعترافات سفاح نابل التي تعتمد حاليا في تدريس الأمنيين وأن التلفزة الوطنية لا تمتلك هذا التسجيل..
أشرنا آنفا الى تسجيلين نادرين وقع بثهما على قنوات أخرى، في المقابل هناك تسجيلات نادرة أخرى لم يقع بثّها ولم تعد موجودة بمؤسسة التلفزة رغم كون هذه التسجيلات محفوظة في أرشيف خاص لأنها ذات صبغة حساسة وخاصة جدا، مع العلم أن هذه التسجيلات تسلّم حسب ما يتردّد في كواليس التلفزة التونسية الى كل مدير عام وهذا الأخير يسلّمه لمن يخلفه ومن بين ما تضمنه الصندوق الأسود لمؤسسة التلفزة التونسية نذكر التسجيلات الخاصة بالمحاكمات السياسية وبمحاكمات الاتجاه الاسلامي اضافة الى تسجيلات لكل الأحداث الأمنية الكبرى التي عاشتها البلاد في تلك الحقبة، دون أن ننسى التسجيل الخاص بحادثة اغتيال أبو جهاد حيث أنجزت مؤسسة التلفزة تحقيقا خاصا حول عملية اغتيال أهم قيادات حركة فتح خليل الوزير المعروف بأبو جهاد لتونس سنة 1988 وصورت مكان الحادث وقد تبخر هذا التسجيل كما تبخرت معه عديد الحقائق .
صمت مريب لمؤسسة التلفزة

ولعل السؤال الذي يؤرق أبناء مؤسسة التلفزة التونسي يحوم حول الشخصيات التي سعت الى تسريب هذه التسجيلات والتفريط فيها وبأي مقابل تمت هذه العمليات؟.. والسؤال الأهم هو لماذا صمتت إدارة التلفزة التونسية بعد مشاهدتها لمراسم جنازة الزعيم بورقيبة تبث على قناة نسمة ولاعترافات سفاح نابل تبث على قناة التونسية وهي الوحيدة التي تمتلك هذه التسجيلات النادرة ولماذا لم تفتح تحقيقا في الغرض ولماذا لم يقع الإعلان عن هذا الأرشيف الخاص وإستغلاله مهنيا كما يجب وحفظه لفائدة الذاكرة الجماعية لتونس؟؟ 
من جهة أخرى بادرنا بالاتصال بالرئيس المدير العام السابق للتلفزة التونسية الأستاذ محمد فهري شلبي الذي أفادنا أن أرشيف التلفزة مقسّم الى 3 فئات، فئة أولى هي في متناول أبناء التلفزة وفئة ثانية هي عبارة عن أرشيف سرّي حيث أكد لنا أنه يوجد بمكتب الرئيس المدير العام خزانة حديدية عليها قفل، مضيفا أنه لم يحاول يوما معرفة محتويات الخزانة، ولم يستبعد في الآن ذاته أن تكون تحتوي على تسجيلات ذات مواضيع حساسة على غرار أحداث الحوض المنجمي ومحاكمات الاتجاه الاسلامي، وأما الفئة الثالثة فتتعلق بالأرشيف الخاص منذ دخول المستعمر الفرنسي التراب التونسي والى غاية الاستقلال.. وأفادنا الأستاذ محمد فهري شلبي أنه تمكن من استرجاع هذا الأرشيف الذي صار على ملك مؤسسة التلفزة، ولم يستبعد محدثنا أن الأرشيف قد تعرض الى عمليات استيلاء أثناء نقله من المقر القديم للتلفزة بشارع الحرية الى مقرها الحالي.

أرشيف سرّي «مجمّد» الى اليوم 

في ذات السياق اتصلت أخبار الجمهورية بأحد الرؤساء السابقين للتلفزة ـ رفض ذكر اسمه ـ والذي حدثنا مطولا عن أرشيف التلفزة التونسية مؤكدا أن جنازة الحبيب بورقيبة على سبيل المثال تمت عملية المونتاج الخاصة بها في قصر قرطاج حيث توجد وحدات مونتاج خاصة يشرف عليها عبد الوهاب عبد الله لأن الرئاسة اعتبرت في ذلك الوقت أن الجنازة التي أشرف عليها بن علي تدخل في اطار نشاط رئيس الجمهورية ..كما أكد محدثنا أنه تفطن أيام مسكه بزمام مؤسسة التلفزة الى وجود خزانة خاصة تحتوي على الأرشيف الخاص بالتلفزة والذي لم يمرّر الى حدّ اليوم على غرار المحاكمات السياسية ومحاكمة أحمد بن صالح (أبيض وأسود) مضيفا أنه ترك ذلك الأرشيف مكانه كما أكد أنه في صورة اختفائه فان الأمر يعدّ عملية اجرامية في حق ذاكرة البلاد .. كما أفادنا أن أرشيف التلفزة التونسية يوجد ب3 أماكن ألا وهي مؤسسة التلفزة وقصر قرطاج وسينما تاك بقمرت، حيث أكد أن الأرشيف كان مهملا بمخازن بمقرين وغيرها قبل أن يقع منح جزء منه الى وزارة الثقافة التي احتفظت به في سينما تاك بقمرت ..وقبل أن يختم حديثه طالب محدثنا بضرورة انشاء مركز وطني للأرشيف السمعي البصري حتى تحفظ الذاكرة الوطنية من الاهمال والنسيان والسمسرة..
من جهة أخرى أحالتنا مصادرنا على المدير السابق للقناة الوطنية رشاد يونس الذي نفى علمه بالموضوع وأحالنا بدوره الى مدير الأرشيف التلفزي زين العابدين الشريف الذي نفى بدوره علمه بموضوع الأرشيف السرّي مضيفا أنه حديث العهد بالعمل وأن كل ما يعلمه هو وجود أكثر من 200 ألف تسجيل بأرشيف التلفزة ولا تحتوي على التسجيلات التي سبق وأشرنا اليها.   
إدارة التلفزة توضح

وباتصالنا بالرئيس المدير العام لمؤسسة التلفزة التونسية مصطفى بن لطيف أفادنا أن كل أرشيف التلفزة موجود بالمقر وأن المؤسسة شرعت منذ مدّة في رقمنة هذا الأرشيف، مبينا أنه لم يتم التفريط في محتويات التلفزة منذ امساكه بزمام الأمور وأنه غير مسؤول عن الادارة التي سبقته ويجهل ان تم التفريط في جزء من التسجيلات من عدمه.. 
وأكد بن لطيف وجود خزنة تضم الأرشيف الخاص مشيرا الى أنها موجودة بمكتب المدير العام وليس بمكتب الرئيس المدير العام كما أفادنا أن مفاتيح تلك الخزنة بمكتب المدير العام وأنه سيسعى الى الحصول على هذه المفاتيح..