إعادة تركيز تمثال الحبيب بورقيبة بين الرفض والتأييد: اعتراف بالجميل.. أم استغلال لـشـعـبـيـة الــزعــيـــم؟




أثار قرار إعادة تركيز تمثال الزعيم الحبيب بورقيبة في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، وفق ما أعلن عنه مستشار رئيس الجمهورية محسن مرزوق، جدلا كبيرا وامتعاضا في صفوف بعض الأطراف التي استنكرته ولم تستحسنه من بينهم الأمين العام للتيار الديمقراطي محمد عبو الذي اعتبر أن إعادة تمثال بورقيبة ضرب للقيم التي قامت من أجلها الثورة.
وفي هذا الصدد رصدت أخبار الجمهورية هذه التصريحات لمعرفة آراء أصحابها حول هذا الموضوع..

مكي هلال: تساموا قليلا على أحقادكم وكراهيتكم... أتريدوننا بلا ذاكرة ولا تاريخ؟

بدوره استنكر الإعلامي بقناة البي بي سي اللندنية مكي هلال تذمر البعض من قرار نقل تمثال بورقيبة، فكتب على جدار صفحته الرسمية  في موقع الفايسبوك الاصدار التالي:
«كلّ دول العالم تحتفي بآبائها المؤسسين ومن جلبوا الاستقلال وبنوا الدول، توضع تماثيلهم في مداخل المدن اعترافا وتباهيا وذكرى وتأكيدا لفضل الأولين والجذور على الفروع.
للذين أزعجتهم عودة تمثال بورقيبة إلى قلب العاصمة ومدن أخرى إصلاحا لإحدى أخطاء بن علي الكثيرة، أقول : تساموا قليلا على أحقادكم وكراهيتكم . أتريدوننا بلا ذاكرة أو تاريخ أو اعتراف بفضل الآباء المؤسسين كما تفعل سائر الأمم التي تحترم نفسها وتاريخها؟؟
ثم إليكم تصويبا لغويا أخيرا لخطأ يرقد في أذهانكم المشوهة، هو فقط تمثال وليس صنما لأننا لا نعبد الأصنام ولا نؤلّه الأشخاص ولا نقبل الجحود أيضا!»

المؤرخ عبد اللطيف الحناشي: جدلية القرار تُقرأ من هذين الجانبين..

اعتبر الأستاذ والمؤرخ عبد اللطيف الحناشي أن الجدلية التي أثارها قرار إعادة التمثال يمكن قراءتها من منظورين، الأول ديني والثاني سياسي.
وقال الحناشي ان الجانب الديني يتمثل في رفض بعض الأطراف الإسلامية التي تتبنى فكرا متطرفا لفكرة التماثيل وتصورها لاعتبارها أصناما يعبدها الكفّار. أما في ما يخص تفسيره للجانب السياسي، فأشار الأستاذ إلى أن بعض الأطراف التي ترفض ذلك القرار مازالت لم تتجاوز عقدة بورقيبة بعدُ رغم أن بعض الأطراف السياسية كحركة النهضة تجاوزت ذلك بعد الثورة بعدما كانت من أشد المنددين بسياسة بورقيبة وأصبح بذلك قياديوها يترحّمون عليه بعدما كانوا يرفضون ذلك تماما، الا القليل منهم.
وفي سياق متصّل اعتبر عبد اللطيف الحناشي بأن كلتا الحالتين مرفوضتان لأن بورقيبة -ورغم ما يُنسب اليه شخصيا او لنظامه من تأويلات معينة ذات علاقة بالممارسة الدينية أو فهمه «الخاص» للإسلام او عدم بناء نظام ديمقراطي كما نص عليه دستور البلاد في عهده او ممارسة العنف (النسبي) ضد معارضيه في فترات مختلفة من حكمه ـ لا يمكن أن يغيّب أو يُلغى دوره في قيادة الحركة الوطنية وفي نيل البلاد لاستقلالها السياسي وفي بناء الدولة الوطنية الحديثة ونشر التعليم وتعميمه وتحرير المرأة وبناء المؤسسات الصحية وتعميمها والاهتمام بالقطاع الصحي وكذلك الضمان الاجتماعي، لذلك فالزعيم بورقيبة سيظل أحد أهم رموز تونس وملهم أجيال عديدة سابقة ولاحقة.
وختم محدثنا تصريحه قائلا: «إنّ إعادة تركيز تمثال الحبيب بورقيبة لن يعود بالسلب على تونس بل بالعكس سيعود بالإيجاب أولا لتعبيرنا عن اعتزازنا برموزنا التي عملت وضحت من أجل الوطن وثانيا لتنشيط الذاكرة الوطنية وترسيخها ومهما كان الأمر فلا أحد يمكن أن ينسى بورقيبة أو يلغيه من ذاكرة الشعب وتاريخ الوطن».

قيس سعيد: رسم لصورة الجندي الذي يريد الاحتماء بخندق وهو في ساحة معركة

أما أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد فقد أفاد بأن الإرادة الشعبية هي وحدها الكفيلة بمنح المشروعية السياسية بقطع النظر عن موقف هذا أو ذاك  وفق تعبيره، مشيرا إلى أنّ هنالك اليوم من يبحث عن هذه المشروعية في التاريخ الحديث أو القديم من خلال نصب تذكاري أو عن طريق الاستنجاد بمواقف مشابهة أو حتى بعض الألفاظ والمصطلحات.
وتساءل سعيد قائلا: «هل بإمكان الحاكم أن يستمد مشروعيته من رفات الموتى أم من التعبير الصادق النابع عن منح الإرادة الشعبية للثقة؟».. مضيفا بأنّ المشكل في الواقع أعمق والبحث عن إعادة الرئيس الحبيب بورقيبة عبر نصب تاريخي أو تمثال أو بخطاب أو بإعادة بث مقتطفات من خطبه هو دليل على أن الانتخابات التي وقع تنظيمها لم تؤد إلى إرساء المشروعية المطلوبة والكافية للحكام «الجدد» لذلك أصبحنا نراهم يبحثون عن أي طريقة أخرى أو عن أي رمز يضيف لهم مزيدا من المشروعية لأنّ مشروعيتهم الانتخابية هي في قرارة أنفسهم مشروعية منقوصة وفق تعبيره.
وختم محدثنا تصريحه قائلا: «كأنّ هنالك من يريد أن يحتمي برمز معيّن كما يحتمي الجندي بخندق وهو في ساحة معركة من خلال تحويل تمثال إلى نوع من المتاريس الحربية التي يتّقي من يقف داخلها طلقات عدوه أو طلقات من يعتبرهم في عداد الأعداء».

منارة التليجاني