معاهد تونس تلفظ آلاف التلاميذ سنويا إلى الشوارع




تونس -منور المليتي*
التعليم في تونس فقد جدواه في ضمان الحد الأدنى من الارتقاء الاجتماعي وتحسين مستوى المعيشة، حيث ينقطع 130 ألف تلميذ سنويا عن التعليم من بين مليون تلميذ وفق إحصائيات رسمية ليجدوا أنفسهم في شوارع تزج بهم إما في عالم صناعة الموت والالتحاق بخلايا الجماعات الجهادية أو في عالم المخدرات أو الجريمة المنظمة أو تلقي بهم إلى قوارب الموت باتجاه السواحل الجنوبية الإيطالية.
وتحولت ظاهرة الانقطاع عن التعليم خلال السنوات الماضية إلى ظاهرة خطيرة، حيث ارتفعت بنسبة 30 بالمئة عما كانت عليه قبل انتفاضة يناير 2011، وأصبحت الظاهرة تؤرق العائلات والمربين في مجتمع كثيرا ما راهن على التعليم من أجل ضمان الارتقاء الاجتماعي لأبناء الفئات الفقيرة، وكذلك من أجل بناء مشروع مجتمعي حديث.
وتؤكد أحدث الإحصائيات أن ظاهرة الانقطاع عن التعليم تعصف أساسا بالمراهقين، ذلك أن 78 بالمئة من المنقطعين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة.
وأرجعت دراسة أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية “حول أسباب الانقطاع عن التعليم” في تونس، السبب إلى ارتفاع نسب “الفشل المدرسي” الذي بلغ 90 بالمئة وهو مؤشر قوي على عجز نظام التعليم عن مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، حيث لم تقد تلك التحولات إلى التفكك الأسري فحسب بل قادت أيضا إلى تفكك الأطر الاجتماعية والتربوية.
وتظهر الدراسة أن ثلثي المنقطعين كانوا من الذكور 70 بالمئة فيما تمثل الفتيات 30 بالمئة، ما يبرهن على وجود “ثغرة في المنظومة التربوية” حيث لم تنتهج “الإدارة” معالجة ناجعة تنبني على أسس علمية من شأنها الحد من الظاهرة التي تعد نزيفا في نظام التعليم.
ويحمّل الخبراء في علوم التربية الإدارة مسؤولية تفشي ظاهرة الانقطاع عن التعليم، مشددين على “غياب التكوين في مجال التعامل مع الانقطاع وعدم التنسيق مع مصالح وزارة الشؤون الاجتماعية لمتابعة حالات التلاميذ المعنيين بالإخفاق المدرسي وعدم وضع آلية للوقاية من الإخفاق وعدم تكوين إطار تربوي في مجال علم النفس التربوي حتى يقوم بحماية الحالات المهددة إلى جانب غياب الدراسات الميدانية للظاهرة”.
وتؤكد الإحصائيات أن غالبية المنقطعين منحدرون من الجهات الداخلية المحرومة ومن القرى والأرياف الأشد حرمانا نتيجة تردي الظروف المادية والاجتماعية بسبب التهميش وطول المسافة بين المؤسسة التربوية والمسكن، حيث ينتمي 78 بالمئة من المنقطعين إلى الفئات الفقيرة والمتوسطة والدنيا. ويشدد علماء النفس وعلماء الاجتماع على “ارتباط” ظاهرة الانقطاع المدرسي بعوامل عديدة منها الظروف الاجتماعية والاقتصادية الأسرية للتلميذ والفقر وبعد أماكن الدراسة عن محل السكن.
وفي ظل الأزمة الحادة التي تمر بها البلاد وتزايد عدد العاطلين عن العمل الذي فاق المليون عاطل بات المنقطعون عن التعليم تحت تأثير مختلف الظواهر المنتشرة في المجتمع، فقد أعرب 55 بالمئة منهم عن رغبتهم في الهجرة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية.
وتبدو مثل هذه الإحصائيات مؤشرا قويا على حالة الإحباط التي تفتك بالشباب التونسي جراء انسداد الأفق، كما تؤشر على أن المنقطعين هم “لقمة سائغة” أمام الجماعات الجهادية. واتهم الأخصائي الاجتماعي سالم الأبيض الدولة بغض النظر عن مسألة الانقطاع عن التعليم، ملاحظا أن الدولة تربح أموالا طائلة جراء تواصل انقطاع آلاف التلاميذ عن التعليم سنويا. وقال الأبيض إن التلميذ الواحد يكلف الدولة حوالي 2300 دينار سنويا، وهو ما يجعل عند البعض عملية الانقطاع المدرسي مسكوتا عنها لأنها “مربحة” للدولة.
وأظهرت دراسات ميدانية حديثة أن زهاء 66 بالمئة من الشباب التونسي يستهلك المخدرات الخفيفة المعروفة في تونس بـ”الزطلة” وتنخفض هذه النسبة لدى الفتيات إذ تبلغ 30 بالمئة.
وفي 23 أبريل 2015، أطلقت تونس حوارا وطنيا لإصلاح قطاع التعليم تحت شعار ”لنبدأ” في محاولة لإصلاح البرامج التعليمية بدعوة من الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث شدد الأمين العام حسين العباسي على أن الحوار “جاء من منطلق تشخيص أزمة الأداء التي أدت إلى ضعف نتائج المدرسة التونسية وتقهقر مؤسساتها”.
ويقول الأخصائيون في علوم التربية أن استفحال ظاهرة الانقطاع عن التعليم تعكس خطرا مفزعا يتمثل في فقدان التلاميذ لثقتهم في التعليم باعتباره مسلكا سليما لتحقيق الارتقاء الاجتماعي في ظل تفشي ظاهرة ”الكسب السريع غير المشروع”، وهي ظواهر نخرت المجتمع التونسي خلال السنوات الأربع الماضية.
ويضيف الأخصائيون أنه لا يمكن فهم ظاهرة الانقطاع عن التعليم خارج التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وهي تحولات قادت إلى تهميش التعليم باعتباره خارطة طريق أمام الشباب لتحسين الأوضاع الاجتماعية وتحقيق الطموحات وضمان المستقبل.

*نقلا عن العرب اللندنية