الفوّار في صحراء تونس تروي قصة انتفاضتها




الفوّار (قبلي – تونس)-الأناضول-
بدأت المدينة هادئة حين وصلنا إليها.. مظاهر الحياة فيها شبه منعدمة لولا أن ارتفع صوت المؤذن مناديا للصلاة، فتسارع بعض كبار السن إلى المسجد مثلما خرج بعض الشباب من مقهى المدينة بوسط المدينة.
ويسكن مدينة الفوار قرابة 20 ألفا، وتبعد عن مركز محافظة قبلي حوالي 45 كم، وتعود تسمية المنطقة بهذا الاسم إلى عين ماء جارية تفور ماء .
دخلنا المقهى الذي كان مكتظا ومن الصعب أن تجد فيه مكانا شاغرا فالجميع هنا عدل ساعته على توقيت مقابلة قمة كرة القدم بين الترجي التونسي والنادي الأفريقي.
لم يكن من الصعب على بعض الفتية أن يعلموا أننا صحفيون جئنا لمتابعة تطورات الوضع في هذه المدينة، فبادرنا أحدهم مازحا ''ألا تخشوا (تخافوا) من أن تتعرضوا إلى اعتداء مثلما حصل مع زملاء لكم من قبل".
مداعبة فتحت الباب لنا لنسأل عن حقيقة ما تعرض له بعض الإعلاميين أثناء تغطيتهم للأحداث التي شهدتها المدينة ليل الجمعة السبت الماضي.
واستمرت الاحتجاجات منذ الأربعاء الماضي بالمدينة للمطالبة بالحصول على فرص عمل، حيث أحرق المتظاهرون  السبت الماضي مركزا أمنيا بالمنطقة، وأصابوا 6 أمنيين، بحسب بيان للداخلية التونسية.
وقالت وزارة الداخلية، في بيان لها السبت الماضي "أصيب ليلة البارحة وصبيحة اليوم 6 أعوان من الحرس والأمن الوطنيين، وتمكّنت مجموعة من المحتجّين من اقتحام مركز الحرس الوطني وحرقه".
من جانبه، نفى وزير الداخلية محمد ناجم الغرسلي، في تصريحات السبت الماضي، الاستعمال "المفرط" للقوة لصد المحتجين، مؤكدا حرق مركز الأمن.
وقال الوزير التونسي إن المحتجين "استعملوا قنابل المولوتوف (قنابل حارقة) والحجارة وأطلقوا النار من بنادق صيد".
وقال أنيس بن إبراهيم، 35 سنة، عضو بالجمعية المستقلة للمعطلين عن العمل بالفوار "نعم تعرض بعض الصحفيين إلى اعتداء ولكن قد يكون تزامن وصول الصحفيين مع حالة احتقان قصوى جاءت كردة فعل على تهور بعض الأمنيين واعتدائهم على أهلنا بالكلام البذيء فتطور الأمر إلى حرق مركز المكان".
وأضاف بن إبراهيم للأناضول "نحن نعتذر للصحفيين، ولكن نلومهم على موقف اتخذ وكأنه عقاب جماعي لأبناء المدينة فأصبح هناك تعتيم منذ الحادثة وأقول لهم لا تزر وازرة وزر أخرى".
وحول الوضع في مدينة الفوار، أوضح أنيس بن إبراهيم "مطالبنا مشروعة وليس كما يروّج أنه جاءت لسبب اكتشاف بئر بترولية، بل مطالبنا قديمة ولكن ربما يكون خبر الاكتشاف الأخير القشة التي قصمت ظهر البعير".
وتبدو مظاهر الفوضى العارمة في المدينة منتشرة هنا وهناك وقد خلت المدينة من وجود الأمنيين سوى بعض العسكريين الذين يحرسون مقر المعتمدية.
وصادف يوم الثلاثاء إضراب نفذه مدرسو التعليم الأساسي وهو ما حدثنا عنه محمد محجوب والذي تواجد في ساحة السوق الأسبوعية المكان الذي شهد مواجهات شديدة بين شباب المدينة وقوات الأمن.
وقال محمد محجوب، 54 سنة، "لقد تحول الصراع من المطالبة بخيرات أرضنا إلى صراع حول حماية العرض".
وأضاف للأناضول "لقد قام بعض الأمنيين بالتفوه بكلام بذيء تجاه أهلنا مما دفع الشباب إلى الدفاع عن شرف أمهاتهم  ونحن هنا نعيش في هذا المكان الهادئ ولنا عاداتنا وتقاليدنا الجنوبية".
وتابع "أقول إلى السياسيين والمسئولين إننا لسنا إرهابيين ولا مهربين، نحن أصحاب حق، ونحن لا نطلب صدقة ولا هبة فهناك نص دستوري يتيح لنا التمتع بخيرات الجهة فلا نطلب سوى تطبيق الدستور".
وتنتهي مقابلة القمة التونسية الكروية ومع انخفاض درجات الحرارة تعود الحياة شيئا فشيئا إلى المدينة، وتمتلئ الأرصفة بالمارة، وتجمع العشرات من حولنا وكان جوهر الحديث تداعيات ما وقع.
وقال محمد خليفة، 23 سنة "هناك مكان لا يبعد من هنا سوى 20 كم يسمى المحدثة، منذ سنوات وهم يحدثوننا عن تحويلها إلى منطقة سكنية مثلما تم إحياء منطقة رجيم معتوق، ولكن كل المشاريع تحولت إلى سراب".
وتوجد بمعتمدية الفوار 3 شركات عاملة بقطاع النفط والغاز، اثنتان منها دخلت مرحلة الاستغلال وهما شركة بينكو وينستار والشركة الأخيرة مقازين التي اكتشفت البئر الأخيرة. 
وقال أحد مهندسي البترول العاملين بمعتمدية الفوار، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه "البئر الأخيرة صحيح أنها بئر مهمة من حيث طاقة الإنتاج ولكن ما لا يعلمه مواطنو المنطقة أن هذه البئر لا يمكن أن تدخل مرحلة الإنتاج قبل سنتين على الأقل، حيث لا بد من مد قنوات الغاز والنفط كل على حدة ومن ثم يمكن الحديث عن أرباح تحققها الشركة".
وأضاف للأناضول "من حق أهلنا في الفوار المطالبة بالتنمية والتشغيل، ولكن من حق هذه الشركات الخاصة التمتع بإيراد إنتاج الآبار التي صرفت أموالا طائلة من أجل الوصول إلى هذه النتيجة".
ومنذ يناير/ كانون الثاني 2011 يمثل ملف التشغيل أبرز التحديات التي تواجه الحكومات التي تعاقبت على السلطة في تونس.
ووفق إحصائيات نشرها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) منذ شهر، فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل أكثر من 570 ألفا، وهو ما يعادل نسبة 14.8% من سكان البلاد.