الأمن السياحي: نقائص…إخلالات وتشرذم القيادة وتأخر الإجراءات أدى إلى الكارثة


اعتبر العديد من المراقبين العملية الارهابية الاخيرة التي شهدها احد شواطئ القنطاوي بولاية سوسة عملية ارهابية ناجحة بامتياز نظرا لحصيلتها الثقيلة من الضحايا والتي اعتبرت اكبر حصيلة على مدى خمس سنوات تتالت خلالها العمليات الارهابية.

وباعتبار ان ضحايا عمليتي باردو وسوسة الإرهابيتين من السياح الاجانب فقد كثر الحديث عن جهاز الأمن السياحي الذي يعتبر المسؤول الاول عن حماية المنشات السياحية والسياح خاصة بعد الاجراءات التي اتخذتها حكومة الحبيب الصيد عقب عملية سوسة وذلك بتعزيز فرق الأمن السياحي بـ1000 عون مسلح يتم تركيزهم بالشواطئ.

هذا الجهاز الذي تم بعثه منذ 2001 تحت مسمى ادارة الأمن السياحي ظلت مهامه محدودة ميدانيا ومغيبا حتى على مستوى مشروع اصلاح المنظومة الامنية بوزارة الداخلية بالرغم من الاخلالات الواضحة على مستوى هيكلته والتي ربما تنعكس سلبا على ادائه.

وقبل الحديث عن النقائص والاخلالات فمن الضروري التعرف على هذا الجهاز و مهامه وهيكلته وطريقة العمل داخله.

وتنضوي ادارة الأمن السياحي تحت الادارة العامة للامن العمومي وتتفرع عنها:

– ادارة فرعية للمحيط السياحي مركبات سياحية وترفيهية ومتاحف ونزل.

– وادارة فرعية لامن الملاهي تعنى بالملاهي والمطاعم التي تستعمل التنشيط الموسيقي.

المهام

وتعتبر ادارة الأمن السياحي ادارة فنية تعنى بالمتابعة والمراقبة في مجال الأمن السياحي كما تقوم بالتنسيق الاداري مع جميع المناطق والاقاليم الامنية ووزارة الداخلية فضلا عن تنسيقها مع وزارتي السياحة والثقافة واصحاب المهنة (نزل ,وكالات اسفار…).

وتتمثل مهامها أساسا في التفقد والمتابعة والإحصاء وتقييم الخطط وتقديم مقترحات والقيام بمراجعات فضلا عن متابعة النزلاء بالنزل سواء المصنفة أو غير المصنفة خاصة بالنسبة للنزلاء التي تحوم حولهم الشبهات.

كما تنقسم مهامها أيضا الى:

-التامين الذاتي: وهو تامين القطاع السياحي والمتمثل في حراسات النزل حيث تتم متابعته من طرف فرق الأمن السياحي وتقييم الاداء ورفع الملاحظات والاخلالات إلى وزارة السياحة التي تنسق بدورها مع اصحاب المهنة.

-التامين الامني: ويتمثل في تامين المحيط السياحي بما في ذلك الشواطئ والنزل والمتاحف والمركبات السياحية والترفيهية علما وان تواجد أعوان الأمن داخل النزل خاصة يعتبر من الاجراءات الجديدة التي تم اتخاذها من طرف رئيس الحكومة الحبيب الصيد بعد عملية سوسة الارهابية.

دورات تكوينية

والى جانب هذه المهام تشرف ادارة الأمن السياحي على دورات رسكلة لجميع أعوانها (الاعوان التابعين لفرق الأمن السياحي وامن الملاهي) كما تنظم دورات تكوينية لأعوان حراسة النزل ورؤساء اقسام الحراسة و الاعوان المكلفون بحماية المواقع الاثرية والمتاحف التابعين لوزارة الثقافة بعد التنسيق معها.

ويتلقى المشاركون في الدورات التكوينية دروسا وتمارين حول فنيات الحراسة وتفتيش الاماكن والوسائل (سيارات ,حافلات سياحية…) وسرعة رد الفعل فضلا عن اجراءات الإعلام عن أي خطر ورد الخبر.

وفي هذا الاطارفقد نظمت ادارة الأمن السياحي خلال شهر ماي المنقضي على دورة تكوينية استفاد منها اكثر من 500 مشارك من الاعوان المكلفين بحماية النزل ورؤساء اقسام حماية النزل وقد شملت الدورة التكوينية عدد من النزل في مختلف ولايات الجمهورية على غرار جربة وتوزر وطبرقة.

الاطار القانوني

وتعمل الفرق الامنية التابعة لادارة الأمن السياحي وفق المنشور عدد 35 الصادر بتاريخ 17 جوان 2004 وهو منشور مشترك بين وزارة الداخلية والتجارة والسياحة.

وينص هذا المنشور على مهام تتمثل في حماية المحيط السياحي من جميع الشوائب كالانتصاب الفوضوي ومراقبة المناطق والمواقع والاسواق السياحية تحت اشراف السادة الولاة وتعنى أساسا بالتصدي لجميع التجاوزات كمضايقة السياح والبزنسة وحمل السياح على الشراء وجلب الحرفاء باستعمال الحيلة ورفع المخالفات الاقتصادية والمخالفات المتعلقة بالنقل السياحي…

قيادة مشتتة

وبالرغم من وجود ادارة مركزية تحت مسمى ادارة الأمن السياحي الا أن علاقتها باعوان الأمن السياحي ليست علاقة مباشرة حيث يتم التنسيق بينها وبين الادارة المركزية عبر وسطاء باعتبار وان جميع الاعوان التابعين لفرق الأمن السياحي يعملون تحت امرة رؤساء المناطق والاقاليم الامنية.

و تنحصر علاقتها بالادارة (على المستوى المركزي) في مدها بتقارير امنية بصفة مستمرة يخص نشاطهم في المجال السياحي وذلك عن طريق القيادة المباشرة لهم (رؤساء الاقاليم والمناطق).

في المقابل تقوم ادارة الأمن السياحي بالاطلاع على هذه التقارير (النشاط) وتقييمها وتسجيل توصياتها ثم يتم رفعها من جديد إلى رؤساء الاقاليم والمناطق الامنية من جديد.

وحسب مصادر مطلعة فان هذا الهيكل ظل مهمشا وفاقدا لقيادة موحدة (تشرذم القيادة) وهو ما من شانه أن ينعكس سلبا على اداء فرق الأمن السياحي خاصة على المستوى الميداني والاستعلامي.

نقائص

تشرذم القيادة بالنسبة لفرق الأمن السياحي يعد من احدى النقائص حيث يعاني هذا الجهاز من نقائص اخرى تتمثل بالاساس في غياب وسائل وامكانيات مادية خاصة بالامن السياحي و تعزيزه بصفة موسمية لا مستمرة باعتبار وان تعزيزه بصفة موسمية باعوان ينتمون إلى اسلاك اخرى لن يكون له الاثر الايجابي الكبير نظرا لعدم المامهم بخصوصيات المجال السياحي وما يتطلبه من الجانب الامني.

من جهة اخرى فان مكافحة الجريمة الارهابية التي تستهدف القطاع السياحي لا يمكن محاربتها امنيا فقط باعتبار تداخل عديد الوزارات في الشان السياحي وباعتبار الشراكة بين ادارة الأمن السياحي واصحاب المهنة (اصحاب النزل واصحاب وكالات الاسفار….) في حماية السياح والمنشات السياحية.

فالتامين الذاتي يتطلب كذلك من اصحاب القطاع السياحي والمشرفين عليه العمل على تدعيم اليات المراقبة والاستثمار في المجال الامني كانتداب اكبر عدد ممكن من الاعوان المكلفين بالحراسة وتركيز كاميرات مراقبة واعتماد ماوي امنة تحت الحراسة لجميع وسائل نقل السياح.

اجراءات استثنائية لعطلة امنة

وبخصوص القرارات المتخذة من طرف رئيس الحكومة الحبيب الصيد بعد عملية سوسة الارهابية الاخيرة والتي تقضي بتعزيز تامين الشواطئ بـ1000 عون امن مسلح فقد علمنا أن هذا الاجراء ليس بالجديد باعتبار وانه بتاريخ 1 جويلية من كل سنة يتم تعزيز حماية الشريط الساحلي والشواطئ وهو ما يندرج بما يعرف بمنظومة العطلة الامنة التي تحضى باجراءات امنية اشتثنائية ,حيث يتم تركيز مراكز امنية شاطئية خاصة بالشواطئ المكتضة والشواطئ التي يقبل عليها عدد كبير من السياح.

كما يتم في اطار نفس المنظومة تعزيز الدوريات الامنية بدوريات مترجلة بالمعبد وعلى الخط الرملي فضلا عن دوريات راكبة “كواد” وخيالة.

اما بالنسبة لتركيز أعوان امن مسلحون (اسلحة جماعية ) بالخط الرملي وداخل النزل فقد علمنا أن هذا الاجراء يعد اجراء استثنائيا اتخذ بعد عملية سوسة الارهابية.

قرار مرتجل وغير مدروس

هذا الاجراء لقي عديد الانتقادات خاصة من قبل النقابات الامنية من بينها نقابة موظفي الادارة العامة لوحدات التدخل التي اكد لنا مهدي بالشاوش ناطقها الرسمي أن الاجراءات التي اتخذت عقب عملية سوسة فيما يتعلق بتامين الشواطئ قرار مرتجل وغير مدروس.

كما اعتبر بالشاوش أن هذه الاجراءات اتت متاخرة وكان من المفروض اتخاذ اجراءات استثنائية وتهيئة جميع الظروف المادية واللوجستية ووضع استراتيجيا واضحة للتوقي من الارهاب و حماية السياح منذ حادثة باردو الارهابية.

وذكر الناطق الرسمي باسم الادارة العامة لموظفي وحدات التدخل أن تركيز أعوان امن (1000 عون تعزيز) بالشواطئ بهذه الطريقة يندرج ضمن الطرق التقليدية لسد الثغرات ولا يتماشى مع العمل الامني الذي يتطلبه الوضع الحالي.

وصرح بان برنامج العطلة الامنة قائم منذ سنوات وانه كان من المفروض اعتماد اجراءات استثنائية منذ ماي أو جوان الفارط حسب تواجد السياح و دون انتظار برنامج العطلة الامنة (1 جويلية) مشيرا إلى أن التعزيز الذي تم يندرج في اطار منظومة العطلة الامنة وليس في اطار منظومة التوقي من الارهاب.

قيادة مشتتة ونقص في التكوين

وتسائل محدثنا:” هل الـ1000 عون الذي تم تركيزهم بالشواطئ تلقوا التدريب الكافي على استعمال السلاح في الحوادث الارهابية؟ فهؤلاء لم يتلقوا التكوين الكافي والضروري للتعامل مع العمليات الارهابية المباغتة”

وشدد على أن أعوان الأمن (1000 عون) فاقدين لقيادة موحدة باعتبار وانهم منتمين لاسلاك مختلفة متسائلا عن الجهة التي سيتلقون منها التعليمات.

ميليشيات امنية!

واشار محدثنا إلى أن التسرع في اخذ القرار دون دراسة مسبقة جعل من أعوان الأمن منتشرين بالشواطئ بازياء لا تتلائم مع مهامهم الجديدة حيث لم يتم تحضير اسلحة و ازياء موحدة للاعوان تتماشى مع طبيعة المكان والمهام والطقس و أضحى المشهد مزيج بين أعوان بزي نظامي واعوان مدنيين مسلحين شبيهين بالميليشيات.

وشدد على أن اعتماد أعوان لمدة 12 ساعة متواصلة بالشواطئ قرار غير منطقي وغير معقول باعتبار وان نسبة المردودية والتركيز واليقظة للاعوان تتراجع نظرا لحالة التعب والارهاق التي يكون عليها العون.

كما اكد على ضرورة تفعيل الجانب الاستعلامي والرقابة الخفية واعتماد وسائل تقنية حديثة ومنظومة تامين مشتركة بالتعاون مع اصحاب النزل.

استنزاف للمجهود الامني وغياب للاطار القانوني

واستغرب مهدي بالشاوش من تركيز أعوان امن داخل النزل للحماية مشيرا إلى أن هذا القرار من شانه تعطيل العمل الامني واستنزاف جهود الاعوان خاصة وان جميع النزل مطالبون بمنظومة التامين الذاتي والتدقيق في الهويات ونظام مراقبة سكانار فضلا عن كاميرات المراقبة

كما اضاف “ما مدى جدوى تركيز امنيين مسلحين داخل النزل فالتهديد خارج النزل وليس داخله كما أن الوحدات الامنية وجميع الاعوان يعملون تحت اشراف وزارة الداخلية وليس رجال اعمال فتواجد أعوان داخل النزل في ظل غياب اطار قانوني من شانه خلق مشاكل في حال وقوع حوادث على وجه الخطا “.

واكد مهدي بالشاوش على غياب استراتيجيا واضحة لمكافحة الارهاب واعتبر أن جميع الاجراءات المتخذة تصب في خانة ردود الفعل بالرغم من مطالبتهم باستراتيجية واضحة لمكافحة الارهاب منذ.2013

وختم بقوله “لن نقضي على الارهاب دون اصلاح المنظومة الامنية فالإرهاب يترعرع في ظل منظمومة امنية فاسدة وفي ظل غياب الكفاءة وفي ظل الأمن الموازي والموالي”.