لهذه الأسباب تُصعّد عصابات فجر ليبيا تحرشها بالدولة التونسية



بقلم: توفيق عياشي
لماذا تُصعّد عصابات “فجر ليبيا” تحرشها بالدولة التونسية في هذا الظرف تحديدا؟ للإجابة عن هذا السؤال وجب الحديث بالضرورة عمّا تُمثّله تونس بالنسبة إلى هذه الميليشيات ومن ورائها المنظومة الحاكمة في طرابلس، وهو ما يمكن إيجازه في النقاط التالية:
_ تونس تعدّ دولة الجوار الوحيدة التي تكسر عزلة عدم الاعتراف الدولي بحُكام طرابلس وجموع الميليشيات الحامية لهم، وذلك بعد أن أُكرهت على التعامل مع منظومة حُكم طرابلس كسُلطة أمر واقع بهدف التقليص من الانعكاسات الكارثية للوضع في الجزء الليبي المتاخم للحدود التونسية على استقرار الدولة، وبالتالي فإن امتلاك تونس لأدوات المناعة وتمرّدها على وضعية معادلة الابتزاز والمقايضة بين سلامة أراضيها والاعتراف بحُكم طرابلس سوف يدقّ المسمار الأخير في نعش الخليط الإسلامي الحاكم في الغرب الليبي.
_ تونس تمثل بالنسبة لميليشيات فجر ليبيا وبقية الخلطة الحاكمة في طرابلس شريان الأمان الوحيد الذي يمكن اللجوء إليه في حال انتهى الصراع الدائر في ليبيا بهزيمة ميليشيات الغرب، وبالتالي استمرار استباحة الحدود التونسية وإضعاف منظومة حمايتها بالاعتماد على الأذرع الموالية لفجر ليبيا في الدّاخل التونسي يبقى سبيل الخلاص الوحيد الذي يضمن في المستقبل استغلال الشريط الحدود التونسي كقاعدة ارتكاز للميليشيات الإسلاميّة ولو تطلّب الأمر الاستحواذ على جزء من الأراضي التونسية.
لهذه الاعتبارات بدأت علامات السُّعار والهستيريا تظهر على ميليشيات فجر ليبيا ومن ورائها تحالف حُكم طرابلس بمجرّد شروع الحكومة التونسية في إنشاء منظومة أمنية وعسكرية عازلة على الحدود مع ليبيا، والتي تتضمّن حفر الخنادق وإقامة السواتر الترابية إلى جانب تكثيف الحضور العسكري والأمني على الشريط الحدود، وهو ما يعني أنّ كميّة الأكسجين التي كانت تتنفّسها ميليشيات الغرب الليبي باعتماد الرئة التونسية بدأت تنضب تدريجيّا مع كلّ متراس عزل تركّزه السلطات التونسية لحماية أراضيها.
أمّا المعطى الأهمّ والأعمق الذي أطلق إشارات مخيفة للتحالف الميليشوي الحاكم في طرابلس فهو المباركة الدولية الواسعة والمفاجأة لتوقيع اتفاق المصالحة بين الفرقاء الليبيين نهاية الأسبوع في مدينة “الصخيرات” المغربية رغم مقاطعة التحالف الإسلامي الحاكم في طرابلس له، وقد دقّ ترحيب الاتّحاد الأوروبي دون تحفّظ بهذا الاتّفاق ناقوس الخطر بالنسبة للتحالف الإسلامي في ليبيا الذي بدأ يستشعر العزلة وتنامي احتمال التدخل الدولي الوشيك لتثبيت اتفاق المصالحة على الأرض.
وفي انتظار الموقف الأمريكي من اتفاق “الصخيرات” الذي قد يكون مصيريّا بالنسبة إلى إسلاميي ليبيا، لا تجد هذه القوى سبيلا للخلاص سوى التهديد بنقل الفوضى والمواجهة الدموية إلى الداخل التونسي كورقة ضغط تدرك جيّدا أنها تمثل هاجسا لعديد القوى التي تريد لتونس أن تبقى علامة تسويقية ناجحة لمشروع ما يُنعت بالـ”ربيع العربي”. ويبقى أخطر ما في هذه الحسابات المعقدة هو اعتماد الميليشيات الليبية على أذرع تونسيّة لتنفيذ مخطّطاتها وعدوانها المتواصل على الدولة التونسية سواء بالاستقواء بعصابات التهريب والإرهاب المتغوّلة في المناطق الحدودية أو بأذرع سياسية تضغط في اتجاه إرغام الدولة التونسية على الرضوخ لابتزاز هذه العصابات.