محاولة في تفكيك شخصية الارهابي التونسي: تركيبة نفسية واجتماعية هشّة .. ولهث وراء “بطولة” زائفة

محاولة في تفكيك شخصية الارهابي التونسي: تركيبة نفسية واجتماعية هشّة .. ولهث وراء “بطولة” زائفة


يذهب عدد من الأخصائيين الاجتماعيين الى ان من تغيب عنه الثقافة الاجتماعية يكون الاكثر عرضة للاستقطاب من قبل المجموعات الارهابية على اعتبار انهم اقل حصانة من العارفين بهذا المجال. وهو ما تأكده الارقام القائلة بأن 95 بالمائة من المتهمين في قضايا ارهابية بسجوننا هم من دارسي الشعب العلمية. و لعل هذا ما يفسر اعتماد التنظيمات الارهابية للمشاكل النفسية للشباب في استقطابهم بهدف القيام بعمليات ارهابية نوعية. في ما يلي محاولة في تفكيك شخصية الارهابي التونسي.
في ملامحه العامة لا يختلف سيف الدين رزقي، منفذ العملية الإرهابية بسوسة
التي قتل فيها 38 شخصا، عن أي شاب اخر اصيل الولايات الداخلية كما ان حياته لا تبدو مختلفة عن غيره. فمثله مثل أي طالب جامعي متوسط الحال -يدرس بعيدا عن جهته-  يزور عائلته مرة كل اسبوعين او اكثر،  يقضي عطلته في العمل كنادل  لتحصيل مليمات تضمن له الحد الادنى من الكرامة ومع كل هذه الحياة الرتيبة يجد فسحة من الترفيه في رقص “البريك دانس”.
هذا “الانسان العادي”  كما اطلق عليه الكثيرون لم يكن عاديا بالنسبة لمن جنده بل كان ” نموذجا ” مناسبا  لتنفيذ عملية ارهابية من الوزن الثقيل .
و يبدو انّ من استقطب الرزقي و غيره من منفذي عملية باردو قد نجح في اختيار بيادقه لكن على أي عوامل استند هؤلاء الشبان الذين لم تتجاوز اعمارهم 30 سنة في الانتماء لهذه المجموعات.
استقطاب اصحاب المشاكل النفسية
مما لا شك فيه ان اختيار منفذي العمليات الارهابية خاصة الانتحارية منها يخضع لمقاييس محددة تضمن للمجموعات الارهابية نسبة لا بائس بها من نجاح العمليات المزمع تنفيذها، وهو ما يحيلنا الى كيفية تجنيد او استقطاب الشباب.
وحسب المعطيات التي سبق و صرح بها عدد من الائمة المطلعين-على عمليات الاستقطاب داخل المساجد-  فان العناصر الارهابية تعمد الى استقطاب الاشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية او عدم توازن نفسي نتيجة لعدة ظروف ( مادية و اجتماعية)، ويبدو ان هذه الطريقة تعتمدها المجموعات الارهابية “الحديثة” منها داعش  مع مراعاة الفوارق النفسية بين كل بلد.
“داعش”  و “فرنكشتاين”
في مقال نشر في مركز الدراسات للجزيرة تحت عنوان (عن “داعش” ومجتمعاتها: اللعب خارج السوسيولوجيا”) ذهب الكاتب الى ان تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)  تغذى من الاضطراب وانعدام التوازن النفسي للشباب ليقوم باستقطابهم. و على اعتبار ان هذا التنظيم يحمل داخله خليطا غير متجانس من الجنسيات فقد بين ان عمليات الاستقطاب تغذت من النقائص و المشاكل التي يعاني منها هؤلاء الشباب، حيث جاء في المقال: “في الأردن تغذى داعش من الشقاق الاجتماعي المديد الناجم عن فصام الهوية الوطنية وعن ضعفها. وفي لبنان كان للصدع الشيعي-السني وظيفة حاسمة في تفشي المزاج الـ”داعشي” في البيئة السنية. وفي العراق (…) تقاطعت عوامل المذهبية مع مزاج عشائري محبط وغاضب، عند الرغبة البعثية الانتقامية. وفي أوروبا حمل “المجاهدون” معهم من هناك ملامح مختلفة هذه المرة، فهم خليط من شبان وشابات لا تقتصر مصادرهم على المجتمعات المسلمة في المدن الأوروبية، إذ إن من بينهم عشرات من أصول مسيحية، وهم بمعظمهم من غير فقراء القارة العجوز و قد تغذت داعش من رغبة هؤلاء الشباب في الاكشن و المغامرة “.
في ما يخص تونس ، -هي أكثر الدول غير المحاذية لجغرافيا “الخلافة” المستجدة كما يعرفها كاتب المقال –  فقد مثلت “رافدًا لـداعش” و كان هذا  نتيجة لما خلفه انهيار نظام زين العابدين بن علي من  ركام اجتماعي ونفسي على حد تعبير الكاتب.
هذا التحليل سيذهب بنا الى ان تنظيم داعش لا يتعدى كونه  “فرنكشتاين”  العقد النفسية حيث بات يظمّ المرضى النفسانيين و غير المستقرين عاطفيا  و اجتماعيا و الراغبين في الانتقام و غيرهم ممن لم يحسنوا التعامل مع واقعهم وقرروا مغادرته الى مكان سيخرجهم من الروتين. لكن كيف يمكن خلق استقرار نسبي فيما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية رغم انها قائمة على نسيج غير متجانس و غير مستقر نفسيا.؟ و ماذا لو انتفت الحاجة سواء كانت مادية او نفسية  بالنسبة للمنخرطين، ألا يصبح هذا الانتماء مهددا؟
الركام الاجتماعي و النفسي
هل ان “الركام الاجتماعي و النفسي” هو السبب وراء  نجاح “داعش” في استقطاب الشباب التونسي فعلا ؟
ان فسرنا هذا الركام الاجتماعي و النفسي  على انه عدم المساواة بين الجهات و غياب العدالة الاجتماعية فضلا عن الاحساس بالظلم و القهر و الاحساس بالعجز و النقص، فان هذه  الفرضية  تبدو قريبة من الواقع خاصة اذ اعتمدنا الانتماء الجغرافي للمقاتلين التونسيين في سوريا، حيث أظهر مقال تفكيكي قام به فريق “اخر خبر”  شمل دراسة عيّنة شملت 1500 مقاتل تونسي في سوريا والعراق انّ 32.4 بالمائة من المقاتلين اصيلي ولاية مدنين و 22.5 بالمائة منهم كانوا من مناطق الشمال الغربي  فيما كان 10.6 بالمائة اصيلي ولاية بنزرت و 12.5 بالمائة من ولاية المهدية و 6.5 بالمائة من القصرين. في المقابل تحتل نفس الولايات مراتب متقدمة في نسب البطالة والفقر وحتى في نسب مغادرة المقاعد الدراسية و ان كان المنتمون للتنظيمات الارهابية غالبا ما يكونون متحصلين على شهادة الباكلوريا.
و لا بد من الاشارة هنا الى ان المقاتلين الذين لم تسجل ولايتهم  هذه النسب (كالمهدية و بنزرت) فقد كانوا ينحدرون من القرى الصغرى التي تعرف هي اخرى الفقر و البطالة.
هذه العوامل التي تعتبر محفزة لدفع الشباب التونسي لاختيار طريق “الجهاد” و التخلي عن واقعه ليست الوحيدة التي تحول التونسي الى قاتل برتبة ارهابي.
البحث عن البطولة
في المشهد الدرامي الذي جسده  سيف الدين رزقي على شاطئ القنطاوي (هو يتمشى بكل دم بارد  بعد ان اردى قرابة 40 قتيلا، متقدما لملاقاة الموت دون خوف و على وجهه ابتسامة)  بدا  الامر كأنه مشهد النهاية في  فيلم ، اين يعلن البطل نصره و ينتظر الموت “بشرف” مزعوم.
هذه الصورة التي تركها ارهابي سوسة تظهر الرغبة في البطولة و الانتصار. وعلى عكس ما سبق وعرفه الكثيرون بأنه انسان عادي فقد اثبت الرزقي انه انسان  غير عادي. البطولة الوهمية التي رسمها سيف الدين رزقي في ذهنه وربما في ذهن غيره من الشباب هي سبب اخر في  الانضمام الى المجموعات الارهابية.
والبطولة في عقلية التنظيمات الارهابية لا تتمثل في اقناع منفد العملية  او المنتحر بانه بطل سيكون رمزا  لغيره من الارهابيين بل يتجسد ايضا في رسم ابطال ورموز يحتذى بهم ليقع تمجيد انجازاتهم و التغني بقوتهم في زمن غاب فيه الابطال و غابت فيه المثُل العليا في الواقع.
داعش تحاكي الحداثة
كما سبق و ذكرنا فان اكثر من عامل يتحكم في عنصر التجنيد و لا يمكن هنا انكار دور طريقة عمل التنظيمات الارهابية على رأسها  “داعش” في ذلك،  خاصة في الجانب الدعائي حيث تشير التقارير المخابراتية والإعلامية إلى انجذاب الشباب حتى الذين ينتمون الى عائلات ميسورة الحال الى داعش للخروج من حالة الملل ورفع سقف الاثارة.
و قد اظهر التنظيم في اكثر من مناسبة دقة تنظيمية و خبرات عالية في ما يتعلق بالتصور و المونتاج فضلا عن تمكنها و قدرتها  على ادارة صفحاتها بوسائل الاتصال الحديثة. في جانب اخر فقد سوّق التنظيم صورة تبين انه يتعامل كمؤسسة منظمة ان لم نقل كدولة من خلال عروض الشغل التي يقدمها للعاطلين عن العمل.
الجهاد على السريع
تظهر التنظيمات الارهابية اليوم سرعة كبيرة في استقطاب الشباب للقيام بالعمليات الارهابية خلافا لتنظيم القاعدة في التسعينات الذي كان يفرض شروطا قاسية على المنضوين تحت رايته خاصة من سيقوم بعملية ارهابية او انتحارية اين يتطلب الامر تدريبات قد تصل سنوات و مشاركة في عمليات ارهابية اخرى فضلا عن حفظ القرآن و غيره من الشروط.
لكن  مع المجموعات الارهابية و التنظيمات الحديثة الامر اختلف اليوم اين تكفي اشهر قليلة لاستقطاب شاب و تدريبه و دفعه للقيام بعملية الارهابية و لا يهم ان كان حافظ للقران من عدمه , ولعل هذا الامر يعتبر لصالح هذه المجموعات اذ يغيب الصبر عمن يعتبرون انفسهم “جهادي” هذا العصر .
لماذ المرأة التونسية اقل تأثّرا بالموجة الداعشية
صحيح ان بلادنا سجلت حضور المرأة في العمليات الارهابية الا ان هذا الحضور يبدو متواضعا مقارنة بالعنصر الرجالي. ولئن كانت بلادنا سجلت المرتبة الاولى في عدد المقاتلين في سوريا فان التونسيات لسن الاكثر تواجدا مع داعش حسب ما ذكرته الصحيفة البريطانية ديلي ميل نقلا عن دراسة اجريت في هذا الصدد.
و تبدو هذه النتيجة منطقية على اعتبار ان النساء  اكثر استقرار نفسيا واجتماعيا كما انهن لا يملن الى عنصر الاثارة و المغامرة و لعل هذا ما يقلص من عدد النساء المنتميات الى تنظيم داعش عموما. الا ان الخوف الاكبر من النزعة الانتقامية التي يمكن ان تصيب التونسيات، حيث اظهر تحقيق في العراق ان الاسباب الكامنة وراء اقدام النساء على عمليات الانتحارية  هي الانتقام لاب او اخ او زوج  راح ضحية عملية امنية.
حضور المرأة في العمليات الارهابية
-العملية  الانتحارية الأشد فتكاً في تاريخ العراق « نفذتها انتحارية وسط المتبضعين في سوق منطقة بلدروز مطلع ماي 2008، وتسببت في مقتل 33 مدنياً وجرح ما لا يقل عن 60 آخرين
-تعود  مشاركة المرأة في الاعمال الارهابية  في بلاد الرافدين الى سنة 2005 حين روّج الزرقاوي لفكرة «المرأة الاستشهادية» ومنذ ذلك التصريح انفجرت النساء في  العراق بالمعنى الحقيقي للكلمة.  لتقضي عشرات الانتحاريات اللواتي تم القبض عليهن بقية حياتهن في السجن.
-كما لا يمكن تجاهل  الهجمات الإرهابية التي شهدها  مركز تسوق «ويست غيت» في العاصمة الكينية نيروبي حيث اكدت التقارير الامنية  ان قائد المجموعة الارهابية التي نفذت العملية  هي امرأة بريطانية تدعى الأرملة البيضاء وقد اسفرت هذه العملية عن مقتل 69 شخصا من بينهم اطفال .
-وحسب ما يؤكده مختصون في الحركات الارهابية –فان المراة تعتمد كوسيلة لنقل المعلومات وتوفير المؤونة والادوية للجماعات التي كانت غالبا ما تتحصن  بالجبال والمناطق الوعرة.