سوق الدعارة الافتراضيّة في تونس



متعه، جنس، سريّه، وغيرها من الكلمات ذات الطابع الجنسيّ، هي المفتاح الذي ما ان تضعه في خانه البحث علي موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حتّي تجد عشرات الصفحات التي تقدّم مختلف الخدمات الجنسيّه في تونس، بدءاً بالصور والافلام الاباحيّه، وصولاً الي سوق واسعه للعرض والطلب وتنظيم اللقاءات الحميمه وصفقات المتعه المدفوعه الاجر.
هذه الصفحات كانت شبه غائبه منذ خمس سنوات بسبب الرقابه الامنيه علي الانترنت في تونس وسياده القمع والرقابه الذاتيّه، فضلاً عن الخوف من سطوه الشرطه الالكترونيّه وعيون النظام، التي كانت حاضره في عقل المواطن وفي كل ركن من حياته ورقيبه حتي علي افكاره وخيالاته الصامته. غير ان تلك الصفحات عرفت بعد الثوره انتشاراً واسعاً واقبالاً كبيراً، خصوصاً من الشباب الذّين كسروا حاجز الخوف واستطاعوا تجاوز منطق المحرّمات المفروضه عليهم قسراً لا اقتناعاً.
لا يمكن احصاء العدد الحقيقي لاسواق الجنس الافتراضيّه، نظراً لتكاثرها السريع واندثارها الاسرع، حالما تبدا حمله التبليغ ضدّها. ولكن جوله سريعه علي بعض هذه الاسواق يكشف بوضوح مدي الاقبال الذي تجده لدي الشباب والشابات. فاعداد المعجبين في صفحه “بنات تونس” تقترب
من الثلاثين الفاً، وفي صفحه “حسناوات تونسيات” تقترب من العشره الاف، فضلاً عن مئات المنضوين في مجموعات مغلقه تحتاج الي اذن مسبق للانضمام اليها. امّا عن الخدمات فهي ببساطه تتمحور حول ثلاثه اطراف: طالب متعه، وعارضه للخدمات، ومدير الصفحه الذّي يتولّي التنسيق. فما عليك الا ان تنشئ حساباً باسم مستعار وتضع عرضك الذي يتضمّن المقابل الماديّ الذي ستدفعه لقاء الموعد الحميم، وسياتيك الردّ سريعاً من المشرف علي الصفحه. البدايه تكون بطلب بطاقه شحن للهاتف الجوّال للوسيط، كاختبار لصدق نيات صاحب العرض، ولتنسيق اللقاء، ثمّ يتم تحديد اوصاف الفتاه المطلوبه ومدّه اللقاء ومكانه. وفي المرحله الثانيه يضع المشرف كلاّ من صاحب العرض والفتاه المنتقاه في اتصال مباشر عبر الهاتف لوضع الترتيبات الاخيره. وفي النهايه يتم اللقاء بين الطرفين بعد ان ينال المشرف علي الصفحه مكافاته الماليّه، امّا من طريق الفتاه او من طريق حواله ماليه، او بصفه مباشره حين يرافق صاحبه الشان الي مكان اللقاء.
اذن، تتجاوز هذه الصفحات بُعدها الترفيهيّ، ان صحّ التعبير، لتتحوّل الي اسواق وفضاءات هدفها الربح الماديّ، وان ظلّت حتّي هذه اللحظه محدوده المعاملات والارباح. ولكن مقدار نموّها يشير الي امكان ازدهارها في المستقبل، لتصبح بديلاً لما يعرف بالمواخير الرسميه التي تخضع لرقابه الدوله علي المستويين الامني والصحيّ.
رصيف22 تمكنت من لقاء احدي الفتيات اللواتي يعرضن خدماتهن علي هذه الصفحات للحديث عن تفاصيل انخراطها في هذه التجاره الغامضه ولمحاوله تسليط الضوء اكثر علي هذا العالم الافتراضيّ. لا شيء في مظهرها او طريقه كلامها يوحي بدايه بامتهانها البغاء السريّ، فمحدّثتنا طالبه جامعيّه لم تتجاوز الواحد والعشرين من العمر، لكنّ نمط حياه العاصمه ومتطلّبات الدراسه وسعيها لمجاراه مستوي معيشه رفيقاتها دفعت الانسه ناهد الي ايجاد مصدر دخل يعوّض المبلغ الزهيد الذّي يُرسله والدها اليها شهرياً من احدي المدن التونسيّه. كما انّ تجربتها السابقه وفقدانها عذريتها بسبب نزوه عابره حطّما رهبتها من الجنس، وسهّلا لها ممارسه البغاء دون خوف من العواقب. اما عن تفضيلها الفضاء الافتراضيّ، فتقول ناهد انّ فيسبوك يعدّ الوسيله الاكثر امناً وسريّه لتعاطي مثل هذا النشاط، اذ تبدا العلاقه من وراء شاشه الكمبيوتر، وتنتهي احياناً دون ان يعرف احد الطرفين شيئاً عن الاخر، بالاضافه الي انّ حاله الانفلات الامني وازدياد عدد العناصر المتشدّده في الشارع يمثّلان خطراً كبيراً اذا ما حاولت العمل في الطريق العام.
وتبدو محدّثتنا غير عابئه بالمخاطر التي قد تتعرّض لها في ظل هذه اللقاءات السريّه كالابتزاز او الاغتصاب، او حتّي الخطف والقتل، اذ تعتبر ان لكل مهنه مخاطرها. كما انّ فيسبوك يظلّ اكثر امناً من الشارع، ويمنحها حريّه اكبر في اختيار توقيت ومكان ممارسه هذه المهنه بدل التورّط مع شبكات منظّمه والوقوع في قبضه عصابات تحوّل الفتيات الي ما يشبه الجواري في مقابل حمايتهنّ. علماً انّ مساله الحصول علي ترخيص من الدوله او مزاوله البغاء في الفضاءات المراقبه خيار انتحاريّ اذ يُحكم علي الفتاه ان تعمل في تلك المهنه حتّي نهايه حياتها.
بعيداً من الجانب الاخلاقيّ في تناول موضوع اسواق الدعاره الافتراضيّه، تبدو هذه الظاهره مثيره للاهتمام ومدعاه لمزيد من التقصّي والفهم. ففي المجتمع التونسي يعدّ الحديث عن الجنس في العلن خروجاً عن المالوف، وانحداراً اخلاقيّاً وعيباً كبيراً، برغم انّ الموضوع نفسه كثيراً ما يكون محور حديث معظم الجلسات الضيّقه والخاصّه.
هذا الانفصام يمثّل التربه الخصبه لنشاه مثل تلك الفضاءات التي تمنح مرتاديها اهمّ شرط وهو السريّه المطلقه. ويعكس مقدار عدد المعجبين والمتتبعين لتلك الصفحات مدي انتشار هذه الوسيله الامنه لتعاطي البغاء السريّ، برغم الاخطار الصحيّه التي قد تنجم عنها في ظل غياب الرقابه الصحيّه وغموض التعاملات والعلاقات بين مختلف الاطراف المتداخله في هذه السوق، التي لم تعد حكراً علي التونسيّين فحسب، بل اصبحت تستقطب الوافدين الجدد الي البلاد، من الليبيّين الميسوري الحال، وصولاً الي استغلال اللاجئات السوريات الهاربات من اتون الحرب الاهليّه، الي جانب الافارقه، لتتحوّل هذه الفضاءات كيانات فاعله تمتلك قائمات من الفتيات يستجبن لكل الاوصاف الممكنه. ويظل البُعد الاقتصادي العامل الابرز في ازدهار هذه المواخير البديله التي تستغل الفقر والحاجه و”صدمه الحضاره” لكثير من الفتيات الوافدات الي العاصمة التونسية من قري ومدن صغيره في شمال البلاد وجنوبها، لينخرطن في لعبه تسليع الاجساد وفقاً لقواعد جديده لم تشذّ عن عصرها في زمن التكنولوجيا الرقميه.
تكلفه تلك العلاقات تبدو مرتفعه مقارنهً باسعار المواخير المرخّص لها. فعلي ما يبدو، انّ للسريّه ثمناً مكلفاً. اذ يراوح اجر الوسيط بين 15 و30 دولاراً. امّا الفتاه فالسعر الذي تطلبه عاده يخضع لمقاييس عدّه، اوّلها سنّها واوصافها الجسمانيّه، بالاضافه الي مدّه اللقاء وكلفه التنقّل، وهذا كله يكلّف “الحريف” (الزبون) ما لا يقل عن 60 دولاراً. وقد تبلغ التكلفه احياناً 100 دولار.
اللافت انّ الفئات التي ترتاد تلك الفضاءات لا تقتصر علي مراهقين يحاولون استكشاف هذا العالم الجديد، بل يعتبر الشباب والكهول الذين تراوح اعمارهم بين 25 و40 سنه من اهم مرتادي اسواق الدعاره الافتراضيه، كما تبيّن تدويناتهم وعروضُهم انتماء اغلبهم الي الطبقه الوسطي القادره علي سداد تكاليف لحظات المتعه السريّه.
وفي ظل ما تشهده البلاد من ازمه اقتصاديّه مستمره منذ سنوات، والتي ادّت الي تاكل الطبقه الوسطي وتدنّي مستوي معيشتها، يتزايد الاقبال علي تلك الصفحات برغم انّ اللقاء الذي لن يتجاوز في احسن الحالات ساعه او ساعتين، قد يكلّف الشخص ما يعادل ربع مرتّبه.