استقالة رئيس أركان جيش البر التونسي.. الخفايا والمخاطر






يرى مراقبون في تونس أن أخطر حدث تواجهه ثورة يناير/كانون ثاني 2011 التونسية بات يتمثل في استقالة رئيس أركان جيش البر، أمير اللواء محمد صالح الحامدي، نهاية الشهر الماضي.
ومما زاد من توقعات المخاطر الكبيرة، تحفظ الحامدي نفسه عن أسباب الاستقالة، التي زادتها تصريحات الناطق باسم الرئاسة التونسية عدنان منصر في مؤتمر صحفي مقتضب وسط الأسبوع الماضي، غموضا عندما تحفظ عن كشف أسباب الاستقالة، وكذا عندما تحفظ عن الجواب على سؤال: هل تعرض الحامدي إلى خيانة ما لإجباره على مغادرة موقعه في قيادة الجيش؟
وتبقى المؤسسة العسكرية في تونس بعيدة إلى حد الآن عن التجاذبات السياسية رغم أن العديد من زعماء المعارضة وجهوا لها نداءات مباشرة السنة الماضية للتدخل لإنهاء حكم الترويكا خاصة إثر اغتيال المعارض محمد البراهمي يوم 25 يوليو/ تموز 2013.
وقادت حركة النهضة الإسلامية خلال الفترة من ديسمبر/ كانون أول 2011 وحتى يناير/ كانون ثان الماضي، ائتلافا حكوميا أطلق عليه إعلاميا اسم “الترويكا”؛ نظرا لكونه مكونا من ثلاثة أحزب هي: المؤتمر من أجل الجمهورية (يساري)، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (ديمقراطي اشتراكي)، إضافة إلى النهضة (إسلامي).
وبحسب مراقبين، فإن بعض المراهنين على دور ما للجيش التونسي في قلب المعادلة السياسية القائمة تأسيا بما حدث في مصر، قد شعروا بالإحباط عندما عيّن الرئيس محمد المنصف المرزوقي أمير اللواء محمد صالح الحامدي في يونيو/ حزيران 2013، بدلا عن الجنرال رشيد عمار الذي يبدو أن البعض كان يعوِّل عليه للقيام بدور ما.
في السادس عشر من يوليو/ تموز الماضي ومع غروب يوم رمضاني تعرضت نقطة مراقبة عسكرية في الشعانبي (جنوب) إلى هجوم مجموعة مسلحة قدرت الأوساط العسكرية عددها بين الأربعين والستين عنصرا.
وبحسب ضابط صف سابق في المخابرات العسكرية رفض نشر اسمه، لوكالة الأناضول، فإن “عملية بهذا الحجم لا يمكن أن تقوم بها مجموعة معزولة في جبل الشعانبي بل تحتاج إلى إعداد دقيق مسبق لفترة لا تقل عن 15 يوما لدراسة المكان وعادات العدو في الحراسة والتنقلات ودراسة التجهيزات وتأمين طريق الانسحاب”، وبحسب الضابط فإن عدد المشاركين في العملية يتجاوز بكثير العدد المعلن من وزارة الدفاع.
ولا تزال قضية أحد نقابيي الأمن مرفوعة أمام القضاء العسكري بعد أن صرح في برنامج بُث على قناة تلفزيونية تونسية خاصة أن المؤسسة الأمنية راسلت وزارة الدفاع عن توقع عملية إرهابية (لم يحددها) وعن المسالك التي سيمر منها الإرهابيون ومخططاتهم وموعد تنفيذ العملية، ورغم أن وزير الدفاع التونسي غازي الجريبي كذب الخبر في تصريحات إعلامية فإن النقابي الأمني تمسك بأقواله.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الناطق باسم الرئاسة التونسية، الأسبوع الماضي، وعن سؤال لمراسل “الأناضول” حول ما تم تداوله من أنباء بشأن حجب معلومات استخباراتية عن العسكريين الميدانيين في جبل الشعانبي ما مكن “الإرهابيين” من قتل 15 جنديا في هنشير التلة بالشعانبي، رد منصر بأن الرئاسة “تتمسك بمبدأ التحفظ”، وهو ما يرجح فرضية صدق أقوال النقابي الأمني.
وقال ضابط الأمن العسكري السابق إن “معلومات النقابي الأمني صحيحة، وهناك قوى تعمل من أجل إقالة كل من عينته الترويكا سابقا، وأمير اللواء محمد صالح الحامدي عينه الرئيس المرزوقي، ولم يكن مسنودا من وزير الدفاع ومن رئيس الحكومة”، على حد قوله.
النقابي الأمني في كل تصريحاته الإعلامية عقب عملية “هنشير التلة” أكد أن الجنود قتلوا بفعل عدم وصول المعلومة الاستخباراتية إلى العسكريين الميدانيين في الشعانبي، رغم أنها وصلت إلى وزارة الدفاع.
وقال ضابط الاستخبارات العسكرية السابق إن “استهداف الإدارة العامة للأمن العسكري بتنحية مديرها العام وإقالة 7 من قياداتها في فترة وجيزة، وتعيين مدير عام بالنيابة لا يمت للأمن العسكري بصلة (على حد قوله) لا يساعد المؤسسة العسكرية على مكافحة الإرهاب”.
ويتابع الضابط “كان من المفروض مع بروز الإرهاب إنشاء نقاط أمن عسكرية متقدمة في محافظة القصرين ومحافظة الكاف (جنوب) تكون مجهزة ولها إمكانيات مالية كبيرة”.
وبحسب الضابط “لابد من إعادة النظر بالتواجد الديمغرافي للسكان، وطرح سؤال من أين يعيشون؟ لفهم علاقتهم بالإرهاب، فلا يمكن التحرك عسكريا في ميدان غير مدروس”.
ويضيف الضابط “هناك حاضنة شعبية للإرهاب وهو الأمر الذي تخفيه الحكومة ولابد من اختراقها وبدلا من صرف الأموال على شراء الطائرات لابد من النظر في الأمور الداخلية”.
وتتواتر في الساحة السياسية التونسية أخبار كثيرة عن محاولات جرّ الجيش إلى التدخل في الشأن السياسي ضد الترويكا السابقة وضد الأحزاب التي تمثلها الآن (حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية).
وبالنسبة لضابط الأمن العسكري السابق فإن “الجيش يعاني من الإهمال، ووزراء الدفاع لا يتحملون مسؤولياتهم، فالوزير الأسبق عبد الكريم الزبيدي أعطى الأمور كلها للجنرال رشيد عمار (استقال في 25 يونيو/ حزيران 2013)، ورئيس الوزراء الحالي مهدي جمعة سلم الأمور لوزير الدفاع غازي الجريبي والوزير المكلف بالأمن رضا صفر، وهما بحسب الضابط السابق يعملون على أجندة ما (دون إيضاحها) والجيش يعاقب لأنه بقي محايدا تجاه دعوات الانقلاب”.
واعتبر الضابط السابق أن “رئيس أركان جيش البر المستقيل لم يجد تعاونا من ديوان وزير الدفاع وليس مسنودا من وزير الدفاع ذاته ولا من رئيس الحكومة”.
وقال الضابط السابق إن “خلية الأزمة (تم تشكيلها عقب عملية هنشير التلة بجبل الشعانبي، وتتكون من وزير الدفاع غازي الجريبي، ووزير الداخلية لطفي بن جدو، برئاسة رئيس الحكومة المهدي جمعة، إضافة إلى عدد من القيادات الأمنية والعسكرية) همشت دور المجلس الأعلى للجيوش (قيادة تضم قيادات الجيوش الثلاثة وجهاز الأمن العسكري برئاسة رئيس الجمهورية) الذي وقع شلّ عمله … والقرارات التي اتخذتها خلية الأزمة هي توسيع لحاضنة الإرهاب مثل قرار غلق المساجد”.
“والضباط القادة لم يعد أمامهم سوى خيارين: الاصطفاف مع وزير الدفاع غازي الجريبي أو الاستقالة”، يضيف الضابط السابق إن “نقل ضابط من العاصمة تونس إلى العمل في تطاوين (محافظة جنوب تونس) وما يمثله من تشتت لعائلته بين العاصمة والجنوب هو رسالة إلى الضباط الآخرين”.
وبالنسبة للضابط السابق فإن “عملية الإصلاح لا تزال ممكنة وذلك بإعادة الروح إلى المجلس الأعلى للجيوش، وتعيين مدير جديد للأمن العسكري وقائد أركان طبقا للتراتيب المعمول بها”.
وشدّد الضابط على “أهمية الأمن العسكري فهو دليل وعين القوات الميدانية والتسلح لا يعني شيئا دون أمن عسكري”.
وبحسب مراقبين، فإن هناك مؤشرات عديدة في تونس على أن معركة ما تدور بين قوى متعددة لتوظيف الجيش، قوى تريد أن يقوم الجيش بمهامه ضمن نظام جمهوري تُحترم فيه إرادة الشعب، وقوى أخرى ترى أن الديمقراطية لا تحقق أهدافها فتسعى بكل قوة للتأثير في المؤسسة العسكرية ربما تحتاجها في وقت ما وتنعكس هذه المعركة في تعاطي السياسيين حكاما وخارج الحكم مع هذه المؤسسة، ويستعمل الإعلام بقوة للتأثير على القرار السياسي أولا وعلى الرأي العام ثانيا.