هكذا صارت سجون تونس مفرخة للإرهاب ؟



حقيق إستقصائي يكشف عن “مدراس” لتخريج الجماعات المتشددة من داخل السجون التونسية، وانتشار عدوى التطرف في عنابرها “أعلن بيعتي لأمير المؤمنين أبو بكر البغدادي على السمع والطاعة في المكره والمشرط وأن لا أنازع الامر أهله..” بكلمات البيعة هذه وضع مروان الدويري المعروف باسم “امينو” نهاية لمسيرة مغني راب شاب كان يعيش قبل دخوله سجن المرناقية بالعاصمة حياة ملؤها الاستئناس بالكحول والزطلة (القنب الهندي). بعد قضاء ثمانية أشهر في سجن المرناقية سنة 2012 غير مروان الدويري اسم شهرته الفنية من “امينو” إلى “أبو أيمن” واطلق لحية بطول قبضة يده ونزع قبعته الرياضية وأبدلها بطاقية سوداء تشبها بمقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) معلناً عبر صفحته الفيسبوكية هجرته إلى الرقة، أحد مراكز تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في سوريا. ما الذي حدث لمروان طوال الثمانية أشهر السجنية التي قلبت حياته وحولته من فنان إلى مقاتل في صفوف أعتى التنظيمات المصنفة إرهابية في العالم؟ حالة مروان هي نسخة مكررة لظاهرة غريبة سادت السجون طوال العشرية الماضية ووصلت أوجها في السنوات الأخيرة التي دخلت فيها الدولة حربها على الإرهاب. يكشف هذا كيف أصبحت غرف العنابر في تونس مدارس لتخريج المتشددين دينيا، بدلاً من أن تكون مؤسسة لاصلاح مرتكبي جرائم الحق العام وإعادة تأهيلهم وانخراطهم في المجتمع. أمثلة عديدة فعل السجن بمروان ما فعله قبل ذلك بأحمد الرويسي، أحد ابرز قيادات أنصار الشريعة المحضور في تونس. فالشاب الثلاثيني الذي دخل السجن قبل الثورة (2011) بتهمة الشعوذة والنصب والاحتيال والاتجار في المخدرات غادره بعد الثورة قيادياً في تنظيم “أنصار الشريعة” الذي صنفته الحكومة إرهابياً في تشرين أول/أكتوبر من سنة 2013. قصة التحول في السجن من مجرمي حق عام إلى متشددين دينياً أو مشاريع إرهابيين، عرفها شباب تونسيين آخرين من قبيل أيمن الحلاق الذي دخل السجن بتهمة “الزنا” و”معاشرة امرأة متزوجة” وعندما غادره التحق بمعسكرات تدريب الإرهابيين في درنة شرقي ليبيا. فعل السجن فعله ايضاً بـ “شعيب. ق” الذي دخله بتهمة سرقة هاتف نقّال فغادره والتحق بتنظيم “داعش” في العراق وانتهى به الأمر بأن فجّر نفسه في الرمادي. الأمثلة عديدة لسجناء حق عام تحوّلوا بشكل مفاجئ إلى إرهابيين عتاة، فما الذي حصل وكيف؟ وهل فعلاً تم استقطابهم والتلاعب بعقولهم في السجن الذي يفترض أنه مؤسسة عقابية وإصلاحية كذلك؟ الإرهابيون ..مجرمون تائبون فجر يوم 16 شباط/فيفري 2014 وفي منطقة نائية تسمّى أولاد منّاع متاخمة للحدود الجزائرية، نصبت مجموعة متطرّفة يقودها راغب الحناشي كميناً لسيارة كان على متنها أربعة أشخاص بينهم عون السجون والإصلاح عصام المشرقي. وما ان اكتشف زعيم المجموعة راغب الحناشي أن ضمن ركاب السيارة عون سجون حتى استشاط غضباً وقام بجرّه بعنف خارج السيارة ثم أمطره بثمانية عشر رصاصة لمجرّد أنه عون سجون أو”طاغوت” كما يطلق عليه اصحاب الفكر السلفي المتشدد. لم ينسَ راغب الحناشي الانتقام منه وهو الذي أمضى ثمانية أشهر في سجن على خلفية سرقة كان ارتكبها. قصة الحناشي مثال جيد عن سجين الحق العام الذي تحول إلى إرهابي والسجان الذي تم الانتقام منه رمزياً لأنه كان شاهدا على عملية التحول القيصري التي تمت بين جدران السجن من سارق هاتف الى سارق أرواح باسم الله. المعطيات المتعلقة براغب الحناشي تقول إن عملية تحوله تمت بين جدران السجن وبسرعة كبيرة لم تتجاوز البضعة اشهر في حين قامت عناصر أخرى خارج السجن بالإحاطة به ومواصلة استقطابه لترسله فيما بعد للجبال المحيطة بمدينة الكاف ليصبح في غضون أشهر أحد أشرس القيادات الارهابية وأكثرهم شغفا بالقتل والدم. بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية وأستاذة علم الاجتماع تحاول تفسير عملية الاستقطاب التي تجري في السجون. تقول هذه الباحثة إن استقطاب المساجين يتم بطريقتين. الألى عندما تعمد إدارة السجن إلى خلط التكفيريين مع سجناء الحق العام الذين يقضون عقوبات من أجل المخدرات أو الاغتصاب أو القتل أو السرقة اعتقادا من إدارة السجن بأنها بذلك تنكّل بهم وتجبرهم على معايشة عتاة المساجين. أمّا الطريقة الثانية التي تحدّثت عنها بدرة قعلول فهي الاستقطاب خارج السجن. “يتم ذلك بتطويع المشاعر السلبية للسجناء تجاه السجن وتحويلها إلى نوع من النقمة على المعاملة السيئة التي تلقوها وحنق على المجتمع الذي دفعهم للسقوط في عالم الجريمة وإقناعهم بان طريق التوبة هو انخراطهم في الجهاد والتحاقهم بهذه المجموعات”. قصة راغب الحناشي الذي نكل بوحشية بأحد اعوان السجون تبيّن بحسب الباحثة أهمية السجن كمان للتعبئة العقائدية وزرع الكراهية عند سجناء الحق العام الذين تحولوا الى إرهابيين. مكان محبّذ للاستقطاب لاتوجد أرقام دقيقة عن نسبة استقطاب سجناء الحق العام في السجون التونسية والتحاقهم بالجماعات المتشددة. غير أن المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية يرجّح في دراسة حديثة له أن تكون نسبة استقطاب سجناء الحق العام ما بين 30 و 40 % “أخذا بالاعتبار الهشاشة النفسية ومحدودية المستوى العلمي لهذه الفئة من المجتمع”. ويبلغ عدد السجون في تونس 27 سجناً و6 مراكز إصلاحية للأحداث. غير أن السجون التي يودع فيها متهمو قضايا الإرهاب والانتماء إلى جماعات متشددة تتركز في المدن الكبرى وخاصة سجن المرناقية في العاصمة تونس وسجن بنزرت في الشمال وسجن الهوارب بمدينة القيروان إضافة الى سجن صفاقس في الجنوب. وتقول أرقام وزارة الداخلية أن هناك حوالي 1200 متهمين في قضايا ارهابية موزعين على السجن الكبرى في تونس فيما تقول مصادرنا ان هناك 113 امرأة ضالعة في قضايا إرهابية جلهن في سجن النساء بجهة بمنوبة بالعاصمة تونس. وبحسب المعلومات الرسمية التي أمدّتنا بها إدراة السجون والإصلاح فإن عدد المساجين اليوم في حدود 22 ألف سجين وقد سجّل بذلك تراجعا حيث كان في 2014 في حدود 25 ألف سجين، ويتوزّع هؤلاء على 27 وحدة سجنية مصنّفة. مصادر من وزارة العدل المشرفة على السجون تقول “إن عمليات الاستقطاب عرفت ذروتها في السنوات الأربعة الاخيرة التي تلت الثورة في تونس”. وتقول ذات المصادر “إن ملفات المساجين التي تواكب وجودهم في السجن تشير إلى أن واحد من ثلاثة مساجين عندما يغادرون السجن يكون قد جرى تغيير ما في سلوكهم لا بفعل العمل الاصلاحي الذي يمثله السجن كمؤسسة عقابية ولكن بتأثير التعبئة الدينية للجماعات الدينية المتشددة التي أصبحت تسيطر على عنابر الكثير من السجون الكبرى في تونس”. سرير وأكل .. فصلاة جماعة بمجرد أن يدخل السجين الجديد الى عنبره يقع استقباله من المجموعات المتشددة التي توجد هناك. ينطلق الاستقطاب بحسب أعوان السجون الذين قابلناهم بعمليات بسيطة ولكنها فعالة في التأثير على نفسية النزيل الجديد. تقول شهادات العديد من اعوان السجن أن أولئك ينتقون عادةً سجين الحق العام الأكثر هشاشة وانقطاعاً عن عائلته، فيوفر له المتشددون دينياً مكاناً في ظل ندرة الأسرّة والأماكن المخصصة للنوم، كما يقومون بضمه إلى جلسات الطعام الجماعية التي ينظمونها. “يشتد نشاط هذه المجموعات في شهر رمضان والمناسبات الدينية في إقامة مثل هذه الجلسات التي محورها الأكل والتي تستهدف اشياء أخرى غير المعدة”، يقول عون سجون من المرناقية ممن قابلناهم. في البداية لا يتطرق المتشددين مع النزيل الحديث إلى أي شيء من المسائل الدينية ولكنهم يحرصون بعد توفير الفراش والأكل إلى دعوته إلى إقامة صلاته باعتبارها كما يركزون في خطابهم أحد شروط الايمان والإسلام. بعد هذه المرحلة يقول عون السجون “يصبح كل شيء سهلاً في ظل محدودية التكوين الديني للمساجين وقابليتهم لخطاب التوبة والتطّهر من ذنوبهم السابقة”. بمجرد ان يبدأ السجين في المواظبة على صلاته ويحرص على أدائها في وقتها تبدأ مرحلة جديدة ممثلة في اقناعه بتكفير الدولة وكل مؤسساتها بطريقة تدريجية مستغلين المعاملة السيئة التي يلقاها السجين عادة من قبل سجانيه، دوما بحسب أعوان السجن. اختيار المساجين المعنيين بعمليات الاستقطاب هو عمل مدروس بالنسبة للمجموعات التي تقوم بذلك في السجن. ويعود الامر بالنسبة للعديد من الخبراء في الجماعات الاسلامية الى تركيزهم على فئات معينة تتوفر فيها شروط نفسية واجتماعية وثقافية. الباحث في الجماعات الجهادية د.عبد اللطيف الحناشي يقول لـ “مراسلون” إن هناك نوعين من السجناء يقع التركيز عليهم من قبل الجماعات السلفية التكفيرية لاستقطابهم وتأطيرهم. ويضيف “يتمثل النوع الأول في مساجين الحق العام أي الذين عوقبوا لأسباب اجتماعية، خاصة المتهمين بقضايا أخلاقية ومخدرات ممن تترواح عقوباتهم بين سنة وسنتين”. ويتابع: “عادة ما يعيش السجين من هؤلاء وضعا نفسيا (الخيبة وأحيانا الندم والشعور بظلم المجتمع) ويشعرون بنوع من الفراغ الروحي والشعور بالذنب، وعادة ما لا تكون لهؤلاء علاقةبالشأ ن السياسي ولا يتم تاطيرهم بالكامل وسط السجن بل تحضيرهم من خلال الجلسات اليومية وحلقات الدعوة إلى ما بعد فترة السجن حيث تتسلمهم عناصر تكفيرية أخرى وتقوم بإكمال المهمة وإعدادهم ليتحوّلوا إلى عناصر إرهابية قادرة على إنجاز عمليات لصالح التنظيم”. أما النوع الثاني حسب محدّثنا ” فيتمثل في بعض المساجين السياسين الذين ينتمون إلى تنظيمات ذات خلفية دينية غير متطرّفة، سواء ممن يكونون على خلاف مع تنظيمهم لسبب آو آخر، أو أولئك الذين تعرّضوا أثناء إيقافهم والتحقيق معهم للتعذيب في مراكز الأمن أو في ما بعد في السجون”. كما يشير د.الحناشي إلى أن تقليد الاستقطاب في السجون هو قديم في أدبيات الجماعات المتشددة وهي ظاهرة ليست جديدة إذ تعود إلى عام 1965 عندما بدأت جماعة الجهاد المصرية تتخذ من سجن طرة وغيره من السجون المصرية مدرسة لتخريج دفعات جديدة من الجهاديين إلى المجتمع. وحول حقيقة تحوّل السجون التونسية إلى “مفرخة” للإرهابيين أجاب د. عبد اللطيف الحناشي “هذا أمر مؤكد وخاصة بعد اتساع نشاط الجماعات الدينية المتشددة والجمعيات الممثلة لها”. البنية التحتية لنجاح الاستقطاب بالنسبة للادراة السجنية لايتعلق نجاح الاستقطاب بنجاح الشحن العقائدي فحسب بل هناك ظروف موضوعية تهيئ للأمر مرتبطة أساساً بالبنية التحتية للسجون. واقع البنية التحتية السيئة للسجون يعترف به أعوان السجون ذاتهم الذين لا يفضلون ذكر اسمائهم. هم يميلون إلى القول بأن الاكتظاظ الذي تعاني منه السجون التونسية يمثل العامل الأساسي الذي ساهم في نجاح عمليات استقطاب سجناء الحق العام وإلحاقهم بالجماعات الديينة المتشددة. من المهم القول في هذا الإطار أن المفوضية العليا للحقوق الانسان أصدرت مع بداية 2014 تقريرا حول السجون التونسية بعد زيارات ميدانية مكثفة للسجون نهاية2013 ذكرت فيه ان سجن المرناقية المصنّف كسجن ايقاف (يكاد يختصّ اليوم في إيواء واستقبال الموقوفين على ذمة قضايا ارهابية) ورغم أن طاقة استيعابه لا تتجاوز 5021 سجينا إلا أن نسبة الاكتظاظ فيه تتجاوز الـ 25%. فيما أشار ذات التقرير أنه حسب إحصائيات مقدمة من إدارة السجون والإصلاح تبلغ نسبة الاكتظاظ أحيانا 150 % . عدم وجود أسرة للسجناء وضيق غرف السجن يؤدي بادارة السجن إلى خلط السجناء على الرغم من اختلاف نوعية جرائمهم. ففي شباط/فيفري من هذه السنة أثارت ألفة العياري، كاتب عام نقابة أعوان السجون والإصلاح، جدلاً كبيراً عندما صرّحت أن إدارة السجن اتخذت قرارا بالسماح بالاختلاط بين السجناء الموقوفين على ذمة قضايا إرهابية وبين سجناء الحق العام وأن هذا الإجراء عرّض السجناء إلى عمليات “دمغجة” ودفعهم إلى اعتناق التطرّف والتشدّد وإعداد “جيل من الإرهابيين من بذرات عتاة المجرمين”. بعد هذا التصريح بيوم أصدر التنظيم الإرهابي المحظور “أنصار الشريعة” بيانا ذكر فيه حرفيا أن “سجن المرناقية خيراً وليس شرّاً” وأنه مناسب لاستقطاب مساجين الحق العام وأسهل من حيث غسل أدمغتهم وتقديم لهم صورة عن الدين كما يراها التنظيم. مما لا شك فيه أن عملية خلط مساجين الحق العام بالمساجين المتورطين في قضايا إرهابية أمر يتجاوز إرادة المؤسسة السجنية بحد ذاتها. الإشكال يرتبط بواقع الاكتظاظ كما أسلف أعوان السجون القول وغياب رؤية واضحة لمواجهة التشدد الديني في السجون. فإبقاء مساجين القضايا الارهابية في زنزانات خاصة بهم مشكلة تزيد في تطرف الأقل تطرفا منهم وتوزعيهم على عنابر مختلفة مع سجناء الحق العام مشكلة أخرى أكثر تعقيداً. حلقات دينية برعاية رسمية مما لاشك أن عمليات استقطاب العديد من سجناء الحق العام لم تكن لتنجح لولا عوامل أخرى غير البنية التحتية المتردية للسجون. ففضلا عن ذلك هناك عامل الفوضى التي سادت البلاد عقب الثورة والتي وصلت الى حد السيطرة على السجون ونشر التدين بين السجناء، وهو اصبح أحد اهداف العديد من الجمعيات الدينية المتشددة التي نشطت في السنوات الاولى للثورة. هذا الاتجاه وجد تجاوبا آنذاك من السلطات الرسمية التي لم تر حرجاً في إدخال رجال الدين المتشددين من أجل القاء دروس في العديد من السجون الكبرى في تونس. في هذا السياق يقر الحبيب الراشدي الكاتب العام السابق لنقابة السجون والإصلاح “أنه بين سنتي 2012/2013 شهدت السجون أسوأ فترات اختراقها من طرف الجماعات المتشدّدة”. ويضيف: “في تلك الفترة وقع فتح السجون امام دعاة التطرّف من أمثال عادل العلمي (بائع خضار تحول إلى سلفي متشدد) والشيخ السلفي البشير بن حسين، لإلقاء الدروس. وكانت هذه الدروس تنقل على أثير الإذاعة الداخلية للسجن ويجبر كل السجناء على سماعها”. ويتابع المصدر: “من خلال هذه الدروس كان العلمي يحرّض على الجهاد في سوريا وعلى ضرورة تطبيق الشريعة ولو بحدّ السيف بمباركة من إدراة سجن المرناقية حينها وبتوصية خاصّة من وزير العدل، إلى درجة أنه تم السماح بتوزيع مناشير داخل السجن تحث على الجهاد لتطبيق شرع الله وكل ذلك موثق ولا يرقى له أدنى شكّ، وحتى الأطفال الجانحين في الاصلاحيات كانوا مستهدفين بهذه الأفكار الوافدة على السجون”. تحولت السجون بحسب هذا المصدر في السنتين الاخيرتين إلى مرتع للجميعات الدينية المتشددة تحت عنوان محاربة الانحراف الإخلاقي بالتربية الدينية. الأخطر أن وزارة العدل لم تتحرج في أن توقع يوم 6 كانون الأول/ديسمبر 2012 اتفاقية مع وزارة الشؤون الدينية التي كان يديرها الإمام نور الدين الخادمي حول العمل الدعوي في السجون وسمح فيها للعديد من الأئمة والجمعيات الدينية بتنفيذ برامج إسلامية داخلها. هذه الاتفاقية التي وقعها عن وزارة العدل الاسلامي نورالدين البحيري ونور الدين الخادمي كانت تنص على العديد من الإجراأت الدعوية في السجون ومن بينها خاصة كما يقول نص الاتفاقية “تنظيم دروس حول العقيدة والفقه والحديث والسيرة” و”القيام باملاأت قرآنية لتحفيظ القران في السجون” و”أداء صلوات الجمعة والعيدين في بعض الوحدات السجنية”. يذكر أن نورالدين الخادمي الذي عرف بدعوته الشهيرة للجهاد في سوريا، غادر وزارة العدل وفُصِلَ من الإمامة بجامع الفتح بالعاصمة في اواسط سنة 2015 بعد أن صنف من ضمن قائمة الأئمة المتشددين بعد وصول حزب نداء تونس إلى السلطة. تمتعت باتفاقية زيارة السجون الدورية العديد من الجمعيات الدينية ذات العلاقة بالدفاع عن المساجين الإسلاميين من قبيل جمعية “إنسان” وجمعية “حرية وإنصاف” وجمعية “العدالة ورد الاعتبار” وجمعية “بريق”. الأخطر من ذلك أن السجون الكبرى وخاصة سجن المرناقية تحول الى ما يشبه قاعة عمليات بالنسبة للجماعات المتشددة بفعل حل منظومة الإرشاد والتجسّس داخل السجون بعد الثورة. ويؤكّد الراشدي أنه في زمن وزير العدل نورالدين البحيري في حكومة الترويكا “تم تعطيل أجهزة التشويش على الاتصالات إلى درجة أنه كان يتم يومياً في تلك الفترة ضبط ما بين 20 و30 هاتف جوّال دخلوا السجن في الزيارات العائلية أو وقع تهريبهم إلى داخل الزنازين عن طريق بعض الأعوان في إطار تجارة ازدهرت حينها، وقد اكتشفنا بعد ذلك أنه وفق اعترافات أدلى بها موقوفين على ذمة قضايا إرهابية، وقعت في تلك الفترة اتصالات بين قيادات إرهابية موقوفة في بوشوشة (أحد مراكز الايقاف) وبعض عناصر كتيبة عقبة بن نافع المتمركزة في جبال الشعانبي”. شهدت تلك الفترة بحسب الإدارة السجنية استقطاب آلاف السجناء ودفعهم قسرا إلى حضن هذه الجماعات المتشددة بل إن المئات منهم التحقوا فيما بعد بجبهات القتال لاحقا في كل من سوريا والعراق وليبيا. وتقول الاحصائية المقدّمة من وزارة الداخلية أن هناك ما بين 3000 و3500 تونسي التحقوا بساحات “الجهاد” في الخارج تلقى معظمهم الشحن العقائدي أثناء ايقافهم ومرورهم بمرحلة السجون. ربما يكون كمال زروق الذي أصبح الامام الخطيب لمدينة تل أبيض السورية قبل أن تسترجعها قوات حماية الشعب الكردية في أواسط سنة 2015 أحد ابرز “المهاجرين” التونسيين إلى سوريا والذي كان يلقب في فترة سجنه في المرناقية “بشقيف” باعتباره أحد ابرز المجرمين قبل اعتناقه للفكر الديني المتشدد. ما العمل؟ تقدم السلطات الرسمية اجابة مبهمة حول هذه الظاهرة وطريقة معالجتها. إذ ينفي الناطق الرسمي باسم إدارة السجون والإصلاح رضا زغدود وجود ما يسمّى بـ”العدوى الارهابية” داخل السجن. ويقول: “نحن نتخذ كل الإجراأت الصارمة والممكنة لمنع انتشار الفكر الإرهابي داخل السجون كتصنيف المساجين حسب أربعة مقاييس هي الجنس والسن ونوع الجرم والحالة الجزائية اذا ما كان السجين محكوم أو موقوف، ونراعي في هذا التصنيف أيضا عامل الخطورة ولدينا قاعدة بيانات ومعلومات عن السجناء لتصنيفهم حسب خطورتهم”. ويتابع: “بغاية الحدّ من التأثير السلبي للموقوفين على ذمة قضايا إرهابية وسجناء الحق العام يتم عمليا اعتماد الفصل بين السجناء ولكن حسب الإمكانيات المتاحة”. وبالنسبة للاستقطاب داخل السجون يقول رضا زغدود “نحن لا يمكن أن نؤكّد الاستقطاب من عدمه إلا بعد مغادرة السجين للسجن وارتكابه لأعمال إرهابية. ونحن اليوم وبوجود عدد هام من الموقوفين على ذمة قضايا إرهابية نشدّد على صرامة إجراأت الرقابة القانونية على كل المساجين، وقد تخلّصنا نهائيا من مشكل الاتصال من وإلى السجن بتثبيت مبطل ذبذبات الهواتف النقالة داخل كل الوحدات السجنية”. ويؤكد مسؤول الإدارة السجنية على مسألة الدور الخطير الذي تلعبه الحالة السيئة وطاقة الاستيعاب المحدودة للسجون في انتشار الظاهرة حيث يقول “لا بدّ أن نشير هنا الى أن التصنيف يحدّ من الاستقطاب إلا أن الاكتظاظ يؤثر سلبا على مثالية التصنيف”. ويقول الناطق الرسمي أنه من آليات الحماية التي ستعتمدها إدارة السجون والإصلاح هي برنامج التوعية والترشيد الديني وهو خطّة مشتركة بين وزارة العدل ووزارة الشؤون الدينية. “لقد وصل هذا البرنامج إلى مرحلته الأخيرة وسيدخل حيز التنفيذ بعد وقت وجيز وهو ما سيسمح لوعاظ معتمدين بالدخول للسجون ومحاولة نزع كل أفكار التطرّف والتكفير من عقول المساجين”. لكن هل تكفي كل هذه الاجراأت من اجل وقف هذا النزيف؟ الوقت وحدة كفيل بتحديد فاعلية الاجراأت في الوقت الذي بات الجميع مقتنعاً بأن سجون تونس أصبحت فعلا مفرخة للإرهابيين.
المصدر : موقع مراسلون