جبل عرباطة …. الصندوق الأسود لحلم الارهابيين في تونس



بقلم محمد صالح العبيدي
لا يكتمل مشروع الارهابيين في مراجعاتهم الاخيرة لمنهاج القتال الا بالاستحواذ على جزء من الفضاء الحيوي للدولة و هي المرحلة التأسيسية الاولى في مشروع دولة الخلافة الذين يحلمون به، و يبدو ان جبل عرباطة الواقع على تخوم قفصة سيكون غرفة العمليات التي ستدار من خلالها هذه المرحلة الجديدة .
في ما يلي قراءة في الموضوع :
اذا سلمنا بالفكرة القائلة ان الارهابيين مازالوا في مرحلة الانهاك و كسر شوكة الدولة مثلما هو وارد في ادبيات ادراة التوحش ، فان حلمهم الاستراتيجي هو افتكاك جزء من المجال الحيوي يكون بالنسبة لهم نقطة انطلاق و عنوان لبناء استقلالية جغرافية .
ان البحث عن جغرافيا مستقلة للارهابيين ليست مسألة اعتباطية أو بهلوانيات لاشخاص فاضت بهم السذاجة ، و انما هو في جوهر قرائتهم للمجال و في جوهر رؤيتهم لكيفية اضعاف الاركان القائمة للدولة ، و هي خطة “القضم” الممنهج، مثلما هو الشأن في الرقة و الموصل و درنة و الشيخ زويد ، و المتمثلة أساسا في اختراق الاماكن التي فيها ترميز كثيف لمعاداة الدولة و التي تمثل خزانا شبابيا مناهضا للسياسات العامة و التي تكون فيها “الوجدانيات” العامة مليئة بالاحساس بالظلم و القهر و التهميش و التي يكون فيها ايضا رجع الصدى فوري مع كل خطاب ديني اخروي .

التوزع الجغرافي
تتوزع احصائيات العمليات الارهابية في تونس تقريبا على حزام جغرافي واحد يربط شمالا جبال ورغة -خمير ، و في الوسط الغربي ثلاثي النار ، الشعانبي و السلوم و سمامة لتبقى حلقة الجنوب حلما منقوصا يبحث عن الثغرات الكافية ، و حتى التعشش النسبي لكتيبة عقبة بن نافع بجبل مغيلة المحاذي لسيدي بوزيد لا يشكل رهانا دائم للارهابيين . فحيث ما تتصاعد الازمة الاجتماعية تتوفر سلاسة التغلغل رهانهم على المناطق الحدودية لا تفسره فقط الارضية الجغرا-حدودية او تلك التقاطعات الممكنة مع جماعات التهريب او الارتباط اللوجيستي مع الاطراف المقاتلة في الجزائر ، و انما تلك المناطق تشكل في العمق رصيدا اجتماعيا و انتروبولوجيا مهيأ بشكل طبيعي لتقبل اي حركة مناهضة للدولة ، تخدمها المقولات السائدة هناك “ماذا قدمت لنا الدولة حتى ننخرط في منظومتها “، و هي مقولات ليست بجديدة و لكن جهاز التقاط الدولة كان معطبا في السابق ليلتقط بذكاء ذلك العنف المؤجل .
“دويلات” صغيرة
كما استغلت داعش احساس السنة في الرقة و الموصل بالمضلومية في استنساخ تاريخي لمضلومية عثمان بن عفان زمن الفتنة ، يستغل ارهابيو المغرب العربي عموما و في تونس خصوصا ، المسألة الاجتماعية كمسألة لم تحسم في حلها منظومة الدولة الوطنية ، لذلك نرى ان توزيع شبكة الارهاب من جندوبة شمالا الى قفصة جنوبا فيه تجانس عاطفي و شعبي مع الحالة الارهابية ، ليس بمنطق القرب الايديولوجي و لكن بمنطق الاحساس بفشل الدولة عن توفير ما يكفي للحياة البسيطة .
الآن و هنا ، كل المؤشرات تقول بان هناك توجها قويا للجماعات الارهابية للتمركز في الحوض الرابط بين سيدي بوزيد و قفصة ، ذلك الخزان الديمغرافي الملئ بكل مشاعر الاحباط و ارتفاع الاصوات المطالبة بالتنمية ، فعندما يفشل منوال التنمية يكون التطرف مسلكا طبيعيا و دافعا بسيكولوجيا حاضنا لنوازع القتال . هو نفس الخطاب الذي تردده الجماعات  كطريقة لاستقطاب الشباب عبر مختلف الوسائط الاجتماعية.
جبل عرباطة..جبل الانقلابات
جبل عرباطة … قفصة او “كابسا” أو تلك الربوة الرمادية التي يأكلها الصوان على مهل شكلت منذ عهدها الكورينياكي مجالا مناهضا للمركز ، اخرها كان في العصر الحديث سنة 1980 و بالذات في محيط جبل عرباطة الذي كان الملاذ الاكبر لعز الدين الشريف و احمد المرغني .
فقفصة التي تحوي سياقات مشوشة من خلال بنيتها العروشية و من خلال ازمة الفسفاط الدائمة تبقى هدفا مقصودا للتغلغل ، ذكرها ابو عياض في احد تصريحاته قبل تصنيف انصار الشريعة كمنظمة ارهابية و دعا اليها لقمان ابو صخر قبل مقتله في منطقة سيدي عيش ، ان جبل عرباطة يوفر حزاما يخول للجماعات المقاتلة الحرب على جبهتين ، الاولى غربية تمتد الى حدود الجزائر و الثانية شرقية ، توفر سهولة في الوصول الى عمق البلاد ، سيدي بوزيد و القيروان .
هو جبل في تركيبته لا يرتقي الى مستوى ضخامة الشعانبي و لكنه استراتيجي و يمكن ان يكون نقطة جذب للاحتماء بداخله في حالات انسداد هامش الاختباء او الهروب في كل من ثلاثي النار في القصرين.
ولذلك يطرح السؤال عميقا في هذا الاتجاه ، هل يكون الهدف القادم لتمركز الارهابيين بعد تكثف عملية القصف و المحاصرة في الجبهة الشمالية ، و بالتالي يوفر بنية تحتية حاضرة لكل تشدد ديني في الجنوب يبحث عن مقاتلة الدولة .
لا يكتمل مشروع الارهابيين في مراجعاتهم الاخيرة لمنهاج القتال الا بالاستحواذ على جزء من الفضاء الحيوي للدولة و هي المرحلة التأسيسية الاولى في مشروع دولة الخلافة الذي يحلمون به .