معابر حدودية مستباحة بالرشوة : أمنيون وأعوان ديوانة يأكلون مع المهرب ويبكون مع ضحايا التهريب



اعداد : درة  الغربي
عرف التهريب نقلة نوعية على مدى خمس سنوات, اذ لم يقتصر على ادخال التجهيزات المنزلية والبنزين والسجائر…بل تعدى ذلك لتصبح تونس وجهة لادخال الاسلحة وحتى لتمريرالعناصر المتشددة (المفتش عنهم والراغبين في تلقي تدريبات في القطر الليبي أو المشاركة في الحرب الدائرة في سوريا) وادخال مبالغ خيالية بعملات مختلفة ثبت –وفق اعترافات بعض العناصر الموقوفة- انها ضخت لصالح الجماعات الارهابية المتمركزة بالجبال.
ونظرا لذلك فقد قررت الحكومة حفر ساتر ترابي (خندق) على كامل الحدود الصحراوية لمنع مرور جميع انواع العربات عبر هذه المسالك وليصبح بذلك ملاذهم الوحيد المعابر الحدودية التي تخضع لرقابة امنية وديوانية.
ولئن لقي هذا الاجراء استحسانا من قبل العديد من المراقبين وحتى الشخصيات السياسية الا انه جوبه برفض قاطع ترجم في حركات احتجاجية من قبل عدد كبير من متساكني جهة بنقردان وحتى بعض السياسيين.
عديد المراقبين اكدوا أن حفر الساتر الترابي يمكن أن يكون جزء من الحل للتقليص من التهريب وانما ليس الحل كله باعتبار وان عديد السلع المهربة دخلت من ليبيا في اتجاه تونس عبر البوابات الحدودية اما بتواطؤ أو تقصير من بعض الاعوان العاملين بالبوابات أو لنقص في التجهيزات التي من شأنها كشف نوعية السلع المخبأة.
وبالنسبة لتورط بعض أعوان الأمن والديوانة في التهريب فقد تعددت الحالات وكان اخرها الشبكة التي اطيح بها مؤخرا والمختصة في سرقة السيارات وتهريبها نحو ليبيا والمتكونة من ليبيين وتونسيين احدهم عون امن.
وتعود اسباب تورط بعض الامنيين واعوان الديوانة حسب عدد من المراقبين إلى عديد الاسباب من بينها تحقيق الربح المادي أو القرابة والعروشية أو حتى بدافع الخوف من بطش المهربين الذين يستغلون ضعف مؤسسات الدولة المتواصل على مدى خمس سنوات.
ديوانيون وامنيون مرتشون!
فتورط أعوان من سلكي الديوانة والامن لم يعد سابقة بالرغم من خطورته باعتبار وان أعوان الأمن والديوانة مهمتهم الرئيسية حماية الوطن وتأمين الحدود وليس المشاركة في الجريمة لتنطبق عليهم بذلك مقولة “حاميها حراميها”.
وربما تكرر العمليات التي تورط فيها أعوان واطارات من الأمن والديوانة دقت ناقوس الخطر للقيام بمراجعات من اجل اصلاح المنظومة الامنية ككل.
ولعل اهم العمليات التي تورط فيها أعوان امن وديوانة من اجل الربح المادي عملية تمرير كميات كبيرة من الفوشيك من ميناء صفاقس والتي ثبت فيها تورط قيادات من سلك الديوانة مع رجال اعمال.
كما تورط عدد كبير من رجال الأمن في تهريب العناصر المتشددة المفتش عنها على غرار تورط عون من سلك الحرس الوطني في تهريب القيادي بتنظيم انصار الشريعة “ابو عياض” إلى القطر الليبي و تورط  عون حرس أصيل باجة في عمليات تمرير اسلحة بجهة الشمال الغربي.
امنيون ولكنهم مهربون
كما تبين ان بعض الامنيين واعوان الديوانة اصبحوا يستغلون وظيفتهم لتحقيق ارباح مادية تتجاوز حتى منطق قبول مبالغ مالية كرشوة مقابل تمرير السلع دون تفتيش ليمتهنوا بذلك التهريب ويقومون بعمليات (تهريب) لفائدتهم بالتعاون مع بعض المهربين على غرار المدعو  “محسن .ب ”  (ناظر امن مساعد) الذي ثبت انه يدير شبكة مختصة في تهريب المشروبات الكحولية وذلك بعد ضبط بضاعة بجهة سبيطلة من ولاية القصرين متمثلة في 120 قارورة خمر فاخرة مهربة من الجزائر حيث اثبتت التحقيقات انه صاحب البضاعة وقد تم تقديمه وايداعه بالسجن.
كما تم ايقاف محافظ شرطة اول رئيس مصلحة الابحاث الخاصة بالادارة العامة للمصالح المختصة بعد ضبطه بصدد تهريب 120 كلغ من مادة المرجان الخام بجهة نفزة بباجة على متن سيارة ادارية تابعة لوزارة الداخلية كان يقودها بنفسه.
مصادر مطلعة اكدت لنا أن تورط أعوان امن في التهريب ليس بالجديد مشيرا إلى أن بعض القيادات مورطة مع شبكات تهريب.
وذكر نفس المصدر أن القوانين التي من شانها أن تردع الاعوان المرتشين موجود ولكن المشكل في اثبات جريمة الرشوة.
واشار إلى أن كل عون أو اطار امني تثبت عليه التهمة يتم محاسبته اداريا بعد عرضه على المجلس وقد تصل العقوبات إلى العزل علما وان بعض الجرائم -خاصة منها المتعلقة بتمرير الاسلحة والعناصر المتشددة – يتم احالة المورطين فيها على القضاء وتصل فيها العقوبات إلى السجن.
كما اكد محدثنا أن المشكل ليس فقط على مستوى الاعوان بل كذلك على مستوى اجهزة الرقابة التي أصبحت ضعيفة جدا بالرغم من دورها الكبير في القضاء على هذا النوع من الفساد كذلك على مستوى القيادات اذ تتحمل القيادة مسؤولية كبيرة في مثل هذه الحوادث.
وحسب مصادر مطلعة فان عدد المحاضر المتعلقة بقضايا الرشوة في سلك الديوانة يبلغ حوالي 40 محضرا اداريا سنويا علما وان هذا العدد لا يعكس الحجم الحقيقي للتجاوزات وانما يعكس حقيقة ضعف اجهزة الرقابة.
*مهربون يشاركون في حملة تمشيط
من جهة اخرى فقد علمنا ان احد القيادات الأمنية بإقليم الحرس بولاية قفصة كان قد جند بعض المهربين المعروفين بالجهة للمشاركة في حملة تمشيط -باستعمال سياراتهم الخاصة- بقرية سيدي عيش رفقة أعوان الفرقة السريعة للتدخلات في اكثر مناسبة علما وان احد الاعوان بالفرقة المذكورة كان قد حوكم بثمانية أشهر سجن بعد أن ضبط بجهة بنقردان  بصدد تهريب المشروبات الكحولية .
وتجدر الاشارة إلى أن احد الاعوان باقليم الحرس الوطني بقفصة كان قد رفع تقريرا إلى المدير العام امر الحرس الوطني اعلمه بهذه التجاوزات.
اعتداءات متكررة وخوف من بطش المهربين
تورط أعوان من الأمن والديوانة في تمرير السلع المهربة لا يقتصر فقط على تحقيق الربح المادي وانما يمكن أن يكون بدافع الخوف من بطش المهربين ,خاصة وان عددا من الاعوان والضباط العاملين بمعبر راس جدير تعرضوا إلى اعتداءات متكررة دون أن تتخذ الدولة اجراءات صارمة تجاه المتجاوزين.
ومن بين هؤلاء ضابط بالديوانة بمعبر راس جدير قام بحجز سلع لمهرب واثر تحوله إلى مقر سكناه بجهة بنقردان فوجئ باشخاص يفتشون عنه  ويطاردونه مهددين بقتله وهو ما دفعه للاختباء باحدى المطاعم هناك، وعند اعلام القيادات لم يتخذ أي اجراء ما اضطره للمغادرة نهائيا ورفض مباشرة عمله بالمعبر باعتبار وانه اصبح مفتشا عنه لفائدة المهربين.
هذه الاعتداءات اصبحت تتكرر بصفة تكاد تكون دورية اذ سجل اعتداءات على أعوان الديوانة بمعبر راس جدير استوجب نقلهم إلى المستشفى ما دفع الادارة العامة للديوانة لرفع قضايا عدلية ضد بعض المهربين مرفوقة بشهادات طبية تثيت الضرر الا انه لم يتم تتبع أي احد من الجناة قضائيا وهو ما جعلهم يتمادون ويترددون على المعبر بشكل عادي.
ومن بين ضحايا هذه الاعتداءات عون من سلك الديوانة رفض تمرير شاحنة من معبر راس جدير لعدم امتثال صاحبها لقواعد التفتيش الا أن السائق عنفه بواسطة حجارة على مستوى الوجه وهو ما استوجب اجراء عملية جراحية بعد نقله إلى المستشفى العسكري.
ونتيجة لتكرر الاعتداءات في ظل ضعف مؤسسات الدولة وعدم اتخاذ أي اجراء زجري إزاء المتجاوزبن فقد اصبح أعوان الديوانة يخشون من بعض المهربين ويتفادون التعامل معهم.
القرابة والعروشية من الاسباب
من جهة اخرى فقد علمنا ان نسبة  80 بالمائة من العاملين بالمعابر الحدودية من امنيين واعوان ديوانة من ابناء الجهة وهو ما جعل البعض منهم يتورط مع مهربين ولو بالتعاطف معهم وذلك بدافع القرابة او العروشية على غرار تورط عون امن مع شقيقه في عملية تهريب لمادة “المعسل”  خلال السنة الفارطة والذي قبضا عليها بجهة الشراردة من ولاية القيروان وتم احالتهما على القضاء.
وحسب مصادر مطلعة فقد علمنا أن القانون  يمنع على جميع أعوان واطارات الديوانة والامن العمل بالمناطق التي ينحدرون منها ولكن نظرا لحالة الفوضى والانفلات الامني التي شهدتها بلادنا خلال سنة 2011  والتي سجل خلالها اعتداءات على منازل وابناء أعوان الأمن والديوانة بالمناطق الحدودية من قبل بعض المهربين بدافع الثأر فقد تم الاعتماد على أعوان ديوانة وامن من ابناء الجهة للعمل بالمعابر الحدودية تفاديا لحالة الفراغ الامني .
الا أن هذه التعيينات لم تقع مراجعتها حاليا باعتبار العدد الكبير من الاعوان ووفق ذات المصدر فان مراجعة جميع هذه التعيينات في ظرف وجيز واعادة التوزيع قد يخلق حالة من الفوضى والارتباك حاليا.
( المصدر: صحيفة ” آخر خبر” الأسبوعية – عدد الثلاثاء 28 جويلية)