يوميات الارهاب …الى أين تمضي بوصلة البلاد التائهة ؟



محمد صالح العبيدي
ليست الاولى التي يخرج فيها الذئاب فجاة من جحورهم بلا سابق انذار لممارسة شغفهم بالقتل و سفك الدماء ، و ليست الاولى التي يخرج فيها راس الافعى من باطن الارض متبجحا بسمومه و قذارته ، و ليست الاولى التي نستفيق فيها على خبر استشهاد احد الجنود او اعوان الامن ، و كأن تونس اصبحت شبيهة بليل الغريبة التي تغنى بها شعرا محمود درويش .
دائما يرتفع السؤال الى عنان السماء كلما تعلق الامر بالارهاب ، من الصانع و من المستفيد ، من هو الغول المتغطرس القادر على بلورة هذا المشهد الدرامي المتكرر و الذي تتغذي فيه كل الشماتات الكلبية … دائما يرتفع السؤال الى السماء ضمن بازار من الاستفهامات الجريئة و الحارقة حول الجهة المسؤولة عن هذا الوضع.
ففي تلك السنوات العجاف من سنوات الجزائر الدامية قال احد السياسيين : الارهاب لعبة من الداخل يصنعها هزال الدولة و خلل في بنية العدالة ، ليضيف اخر من نفس نسيج الدم الذي أغرق الجزائر : الارهاب هو تقاطعات بين مصالح متعددة ، الكل فيه متورط اما بالصمت او بالمشاركة. اما في هذا المحفل اليومي الذي تعيشه تونس اين نجد مؤشرات المستقبل ذابلة و شاحبة ، فان الارهاب اصبح خبز يومي يتلذذ اعداء الوطن بمذاقه ، يتكرر المشهد ، تعيد الصورة انتاج نفسها في سياق شبقي ايروتيقي مغري للحالمين بجنة كاذبة و برحيق من جعافر مختوم لا تأتي الا على حساب القتل المجاني .
هنا و في هذه اللحظة التي يتاكل فيها كل شئ : الاقتصاد و السياسة و المجتمع و الثقافة ، تبرز فقط لغة مضادة ، هي لغة الصبار الحارق الذي يبدد فيح الشمس و الذي لا ينبت فيه الزهر ، فكل القراءات تبدو تشاؤمية ، لا فسحة فيها الا لابتسامة صفراء تريد تكذيب الماساة.
ان اي توصيف دقيق للواقع و لتفاصيله لا يمكن ان يقول الا الحقيقة التالية : الارهاب جزء كبير منه داخلي ، هو صناعة محلية تنبت في أدمغة جيل مفخخ ، هو كيمياء تتجانس مع غياب المعنى و غياب المعلومة و غياب الرؤية و السياسات.
اذا ، لا جديد في زوارق هذا الوطن سوى سخط مضاد و علبة كبريت فجرت كل المدفئة ، و لا قمر ينير سوى الانتظار المسكون بحواس الخوف و الرهبة ، و لا حب ينادي سوى ما تكدس من اوهام ابن حزم و معلقات امرا القيس ، و لا اشكال هندسية سوى قبح دائري يحصر داخله ذنوب العوام …. فلماذا كل هذا الاضمحلال ؟ لماذا كل هذا السكوت عن المسكوت عنه دائما ؟لقد فقدت الدولة شرط امكانها ،و اصبحت فقط وثائق ادارية غير قادرة على الدفاع نفسها بما يكفي .