لم يبق في تونس، البلد العربي الوحيد الذي يملك قانوناً ينظم البغاء، سوى ماخورين بعد إغلاق 10 تحت ضغط إسلاميين. بائعات الهوى في الماخورين المتبقيين هددن بالتظاهر في حال تم غلقهما، في حين تزدهر الدعارة السرية بشكل مهول.
“إن نفذت وزارة الداخلية تهديداتها وأغلقت ماخور ‘عبد الله قشّ’ وشردتنا مع أسرنا، التي لا عائل لها غيرنا، دون إيجاد مورد رزق بديل ومضمون، فسوف نتظاهر ليس أمام وزارة الداخلية فقط بل أمام مقر الحكومة ومجلس النواب أيضاً” هكذا بدأت حياة (اسم مستعار) حديثها مع DW عربية حول ما أسمته “معاناة” عاملات الجنس القانونيات في تونس بعد ثورة 2011.
حياة، 44 عاما، امرأة مطلقة وأم لطفلين دخلت عالم الدعارة منذ 10 سنوات في أكبر ماخور في تونس، ماخور عبد الله قش بعد أن دخل زوجها السجن في قضية سرقة و”تنكرت” لها عائلتها التي لم تكن موافقة على زواجهما، فوجدت نفسها مسؤولة وحدها عن ابنين (3 و5 سنوات).
تضييقات وطرد تعسفي
قالت حياة، وهي تدخن سيجارة وتنفث الدخان في الهواء بعصبية: “في الأشهر الأخيرة تصاعدت تضييقات وزارة الداخلية علينا، لقد شرعوا في إفراغ الماخور عمدا (من عاملات الجنس) تمهيدا لغلقه، إذ قاموا بطرد نحو عشرين منهن بشكل تعسفي وغلق البيوت التي كنّ يعملن فيها دون تعويضهن بأخريات، كما روّع رجال الأمن في أكثر من مناسبة الزبائن وقاموا بطردهم بعد أن نعتوهم بأبشع النعوت وتوعدوهم بسوء العاقبة إن شاهدوهم مرة أخرى هنا. كل ذلك ترافق مع تصاعد في إهانة وسوء معالمة المومسات”.
وعن أسباب طرد المومسات، قالت حياة لـ DW عربية “حسب القانون يتعين علينا أن نقيم في الماخور ليلا نهارا وليس لنا الحق في مغادرته إلا مرة واحدة في الأسبوع وبترخيص. حصل أن خرجت زميلات دون ترخيص لشراء دواء من الصيدلية أو للذهاب إلى الطبيب، أو لعيادة ابن أو أب مريض أو حضور جنازة قريب وعندما عدن وجدن في انتظارهن إعلاما بالرفت النهائي”.
ولاحظت “هذا الأمر جديد، في السابق كنا نعاقب بخطية مالية أو بالمنع من مباشرة العمل مدة أسبوعين في أقصى الحالات، لكن لم يصل الأمر إلى الطرد النهائي”.
وبحسب قاض تونسي، طلب عدم نشر اسمه، فإن المومسات في المواخير “من الفئات الهشة في المجتمع، فأغلبهن دون مأوى ولا يتمتعن بأي حماية من الطرد التعسفي، كما لا يتمتعن بتغطية اجتماعية أو بدفاتر علاج مجاني”.
وقال القاضي إن “أغلب من يدخلن الماخور لا يغيّرن المهنة حتى وإن سعين إلى ذلك، وكثيرات منهن انتقلن إلى العمل في شركات ومحلات تجارية، لكن سريعا ما تم طردهن بمجرد اكتشاف أنهن بغايا سابقات”.
“إسلاميون” أغلقوا 10 مواخير
بعد ثورة 2011 وصعود الإسلاميين إلى الحكم، تمّ إغلاق 10 مواخير من جملة 12 ماخورا في البلاد كانت تشغل المئات من عاملات الجنس وفق الدكتور عبد المجيد الزحاف رئيس الجمعية التونسية لمقاومة الأمراض المنقولة جنسيا والإيدز، وطبيب ماخور صفاقس.
الزحاف قال لـ DW عربية “بقي اليوم ماخوران اثنان في تونس، عبد الله قش في العاصمة ويشغل نحو 120 مومسا، وماخور صفاقس ويشغل 45 فقط”.
وأضاف أن وزارة الداخلية لم ترخص منذ ثمانية أشهر لمومسات جديدات في العمل رغم تلقيها طلبات عديدة من نساء تتوفر في ملفاتهن الشروط اللازمة لممارسة الدعارة القانونية، معتبرا ذلك “مؤشرا” على نوايا محتملة لغلق الماخورين المتبقيين في تونس.
“انفلات جنسي”
هشام الشريف الدكتور في الجنسانية البشرية والمختص في علم الجنس والسلوك الجنسي، حذر من أن الغلق النهائي للمواخير في تونس سيؤجج حالة “الانفلات الجنسي” التي تشهدها البلاد منذ الثورة.
وقال الشريف لـDW عربية “عاملات الجنس في المواخير القانونية يقدمن خدمة هامة للمجتمع تتمثل في توفير اللذة الجنسية بأسعار مقبولة للرجال، الذين ليس لديهم إمكانيات مادية للزواج. كما أن الكثير من الشباب تكون تجربتهم الجنسية الأولى في الماخور”.
وأضاف أن هذه الأماكن “توفر خدمة الجنس الآمن صحّيا لعاملة الجنس وللرجال في آن واحد، لأن الممارسات الجنسية تتم إجباريا باستعمال الواقي الذكري والزبائن يقبلون ذلك ولا يناقشونه”.
وتساءل “ماذا سيفعل هذا الكم الهائل من عمال الحضائر والبناء في العاصمة تونس، الذين يتوافدون على ماخور عبد الله قش لتفريغ الطاقة الجنسية الكامنة داخلهم؟ الإجابة معروفة: سترتفع نسبة جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي في الشارع. كما سترتفع الدعارة السرية والأمراض المنقولة جنسيا والحمل والإنجاب غير المرغوب فيهما”.
وردا على سؤال حول معنى “الانفلات الجنسي” قال هشام الشريف: “بعد الثورة تحرر كل شيء وتم رفع الحجب عن المواقع الإلكترونية البورنوغرافية، فأصبح مستعملو الإنترنت التونسيون في مقدمة الباحثين عن كلمة جنس في محركات البحث، كما اتسع نطاق الشرائح التي تمارس الجنس خارج إطار الزواج حتى أن 75 بالمائة من تلاميذ المدارس الثانوية يمارسون الجنس (83 بالمائة ذكور و70 بالمائة إناث) حسب آخر إحصائية رسمية لوزارة الصحة، كل هذا يدل على حالة الكبت الجنسي، التي يعيشها المجتمع بسبب القوانين التي تجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج”.
وبحسب إحصائيات هيئات رسمية وغير حكومية يولد في تونس يوميا 4 أطفال خارج إطار الزواج وتتعرض 3 نساء للاغتصاب يوميا، في حين فاق عدد حاملي فيروس الإيدز 2000 شخص نهاية 2014.
لكن هشام الشريف اعتبر أن الإحصائيات هي بمثابة “الشجرة التي تخفي الغابة”، مقدّرا أن “الواقع أشدّ مما هو معلن بكثير”. وقال في هذا السياق “الاغتصاب والتحرش الجنسي وزنا المحارم هي من أكثر الطابوهات في مجتمعنا ومع ذلك فهي من أكثر الجرائم الجنسية شيوعا في تونس”.
من ناحيته أكد عبد المجيد الزحاف أن الدعارة السرية في تونس “ارتفعت بصفة مهولة”. وقال “في السابق لم نكن نراهن (المومسات) في الشارع أما اليوم، فقد صرن بارزات للعيان في كل مكان تقريبا خصوصا في العاصمة والمناطق الشاطئية” مقدرا عدد من يتعاطين الدعارة السرية في تونس بأكثر من 5 آلاف امرأة.
“انتصار رمزي للإسلاميين”
اعتبر نقابي أمني -طلب عدم نشر اسمه- أن غلق المواخير في تونس هو “انتصار رمزي للإسلاميين” مرجحا أن تكون وراءه حركة النهضة الإسلامية، ثاني قوة في البرلمان التونسي اليوم.
وقال المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه “طبعا هو انتصار رمزي لهم، لقد وصلوا إلى ما يريدون، يكفي أن نتذكر أن مئات من السلفيين تظاهروا يوم 18 فبراير/شباط 2011، أمام وزارة الداخلية وطالبوا بغلق كل بيوت الدعارة في تونس ثم هاجموا ماخور عبد الله قش بالزجاجات الحارقة. كما أن دعاة من دول خليجية توافدوا على تونس ودخلوا المواخير وطالبوا بغلقها”.
وتونس هي الدولة العربية الوحيدة التي لها قانون ينظم “البغاء العلني” ويجيز فتح مواخير خاضعة لاشراف وزارتي الداخلية والصحة. وتعود ظاهرة البغاء العلني في تونس إلى سنة 1941 عندما أصدر المستعمر الفرنسي قانونا نظّم فيه هذه “المهنة”. وبعد استقلال تونس سنة 1956، أبقى الحبيب بورقيبة هذا القانون.
نقلا عن “dw عربي”