جلاد أم معتقل؟ اتهامات لـCNN بفبركة قصة تحرير سجين سوري

 

جلاد أم معتقل؟ اتهامات لـCNN بفبركة قصة تحرير سجين سوري

نشرت شبكة CNN تقريرًا مصورًا لاقى صدى واسعًا، حيث ظهر فيه شخص يزعم أنه معتقل سوري كان محتجزًا في زنزانة مظلمة بسجن سري تابع للنظام السوري. وأظهر التقرير لحظة "تحريره" على يد مقاتلي المعارضة السورية، حيث قال الرجل إنه يُدعى "عادل غربال" ومن مدينة حمص، وإنه احتُجز في زنزانة انفرادية لمدة ثلاثة أشهر دون أن يرى الضوء أو يتلقى الطعام والماء منذ أربعة أيام، بعدما فرّ حراس السجن.


الرجل بدا في حالة ذهول، مدعيًا أنه اعتُقل بسبب هاتفه المحمول، وظهر أمام الكاميرات وهو يتحدث عن معاناته. التقرير أثار تعاطفًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة مع الإشارة إلى أنه كان ضحية لنظام أمني قمعي، مما عزز رواية الانتهاكات التي يُتهم بها النظام السوري.


شكوك وتحقيقات تكشف الحقيقة

لكن القصة بدأت تأخذ منعطفًا آخر بعد تحقيق أجرته منصة "تأكد" السورية، المتخصصة في مكافحة المعلومات المضللة. المنصة سلطت الضوء على تناقضات واضحة في الرواية التي قدمتها CNN.


مظهر المعتقل لا يعكس ظروف السجن المزعومة


رغم أن الرجل ادعى أنه كان محتجزًا في زنزانة مظلمة لثلاثة أشهر، إلا أن ملابسه ظهرت نظيفة وشعره مرتب، وحالته الجسدية بدت جيدة بشكل لا يتماشى مع أوضاع المعتقلين الذين يقضون فترات طويلة في السجون السرية المعروفة بسوء المعاملة والتعذيب.

لوحظ أيضًا أن عينيه لم تظهر أي تأثر بالضوء عند خروجه من الظلام، وهو أمر يُفترض أن يحدث لشخص لم يرَ الضوء منذ فترة طويلة.

البحث في هوية الرجل


وفقًا لـ"تأكد"، تم البحث في السجلات الرسمية حول اسم "عادل غربال" ولم يتم العثور على أي معلومات تدعم رواية اعتقاله.

بدلاً من ذلك، اكتشف التحقيق أن الرجل يدعى "سلامة محمد سلامة"، وهو مساعد أول في فرع المخابرات الجوية، المعروف بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين. سلامة، الذي يُعرف أيضًا باسم "أبو حمزة"، كان يعمل في مدينة حمص وشارك في جرائم تعذيب وقتل مدنيين، بالإضافة إلى فرض أتاوات على السكان واستغلالهم.

سجن سلامة: صراع داخلي وليس اضطهادًا


وفق شهادات محلية من أهالي حمص، سلامة لم يُعتقل بسبب معارضته للنظام كما حاول التقرير الإيحاء، بل تم الزج به في السجن بسبب خلاف مالي مع مسؤول أمني آخر أعلى منه رتبة حول تقسيم الأموال التي كان يجمعها من السكان بالقوة.

سلامة.. من جلاد إلى "ضحية"

سلامة، الذي كان مسؤولاً عن عدد من الحواجز الأمنية في حمص، عُرف بسمعته السيئة، وكان متورطًا في اعتقال وتعذيب العديد من المدنيين. شهادات الناجين أكدت أنه كان يجند مخبرين قسرًا ويعتقل الشباب بتهم ملفقة، وأحيانًا بدون أي تهمة سوى عدم ارتياحه لهم.


لكن تحول الرجل من جلاد إلى "ضحية" في تقرير CNN أثار تساؤلات حول دقة التقارير الإعلامية التي تصدر عن مناطق النزاعات، خاصةً أن الرواية المقدمة في التقرير تفتقر إلى التحقق الدقيق من المعلومات.


ردود الأفعال ودعوات للتحقيق

القصة أثارت ردود أفعال متباينة. البعض اعتبر التقرير محاولة لإبراز معاناة المعتقلين السوريين تحت النظام القمعي، بينما وصفه آخرون بأنه سقطة إعلامية كبيرة، خاصة بعد كشف الحقائق التي تشير إلى استغلال قضية المعتقلين لتقديم روايات ملفقة.


الجمهور طالب CNN بتقديم توضيحات حول كيفية التحقق من المعلومات الواردة في تقريرها. كما دعا ناشطون إلى التركيز على روايات المعتقلين الحقيقيين الذين تعرضوا للتعذيب والانتهاكات، بدلاً من تزييف الحقائق.


أهمية التحقق في مناطق النزاعات

القصة تسلط الضوء على أهمية التحقق الصارم من الروايات الصادرة عن مناطق النزاعات، حيث يمكن أن تؤدي المعلومات المغلوطة إلى تضليل الرأي العام وتشويه القضايا الحقيقية. في حالة هذا التقرير، يبدو أن الحقائق كشفت محاولة لتقديم شخصية متورطة في جرائم حرب على أنها ضحية، مما يُضعف مصداقية التقارير الإعلامية في المستقبل.



قضية "سلامة محمد سلامة" هي مثال حي على تعقيدات النزاعات وتداخل الأدوار بين الجلاد والضحية. ومع أن القضية سلطت الضوء على واقع السجون السورية، إلا أنها كشفت أيضًا عن خطورة المعلومات المضللة في رسم صورة غير دقيقة للأحداث.







أحدث أقدم