في الحرب التي اندلعت في غزة في السابع من أكتوبر 2023، راهنت إيران على "استراتيجية وحدة الساحات"، حيث امتد الصراع ليشمل لبنان وسوريا والعراق واليمن وحتى إيران نفسها. لكن إسرائيل ردت باستراتيجية مضادة حملت اسم "وحدة النتائج العسكرية". وفقاً للعديد من المحللين الاستراتيجيين، لم تكن الخسارة مقتصرة على التنظيمات المحلية مثل "حماس" و"حزب الله" أو نظام "الأسد"، بل طالت النظام الإيراني الإقليمي بشكل كامل، مما أدى إلى تغييرات في موازين القوى ونتائج انعكست على السلطة السياسية في غزة ولبنان وسوريا، كما فرضت على الحكومة العراقية مراجعة سياساتها لتحقيق فصل بين مصالحها الوطنية والنفوذ الإيراني.
وبعد توقف الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" إثر اتفاق الهدنة في 27 نوفمبر 2024، الذي تضمن بنودًا صارمة تتعلق بملف السلاح، أبدت شخصيات داخل حكومة تصريف الأعمال (رفضت الكشف عن هويتها) أن "حزب الله" يحاول الالتفاف على تنفيذ الاتفاق من خلال تفسيره بطريقة تسمح له بالتهرب من استحقاقاته، خصوصًا تلك المتعلقة بتفكيك بنيته العسكرية جنوب نهر الليطاني، في الوقت الذي يروج فيه لاستمرار ثلاثية "الشعب، الجيش، المقاومة" لتبرير وجود سلاحه شمال الليطاني. بالإضافة إلى ذلك، يسعى الحزب إلى المناورة السياسية عبر ملف رئاسة الجمهورية، مانعًا وصول رئيس "سيادي وقوي"، ويدفع القوى المعارضة له نحو تسوية تسمح بانتخاب رئيس "مساوم" يتغاضى عن سلاحه ومشروعه الإقليمي.
في الوقت نفسه، يسعى "حزب الله" لتعويض تداعيات الحرب على بيئته، لا سيما من خلال تعويضات مالية للمتضررين، رغم الضغوط المالية الكبيرة التي يواجهها نتيجة العقوبات على إيران وانقطاع خطوط الإمداد عبر سوريا، فضلاً عن الدمار الذي لحق بمؤسساته الاقتصادية، مما أثر على قدرته على إدارة شبكاته الاقتصادية والخدمية التي كانت من أساسيات الحفاظ على "بيئته الحاضنة".
وفي تقرير لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، تم الإشارة إلى أن "حزب الله" بدأ في إعادة بناء قدراته العسكرية، مما يثير التساؤلات حول نياته في الالتزام بالاتفاق. بعض الخبراء العسكريين يرون أن الحزب يعتبر تفكيك هيكليته العسكرية تهديدًا لنفوذه السياسي في البلاد، ويخشى أن يتحول من تنظيم عسكري كبير إلى هيكلية أمنية صغيرة تعتمد على خلايا وأسلحة خفيفة وعمليات استخباراتية.
من جهة أخرى، يعتقد بعض الأوساط السياسية أن عدم جدية الحكومة اللبنانية في تنفيذ الاتفاق سيسمح للحزب بترميم نفسه وتكييف بنيته مع الواقع، خاصة في ظل وجود عناصر موالية له في المؤسسات القضائية والأمنية والإدارية. بينما تدعو أطراف أخرى الدولة اللبنانية إلى اتخاذ خطوات قانونية وسياسية لضبط نشاط الحزب الذي لا يزال يعمل خارج إطار القانون اللبناني عبر تمويله وهيكليته غير المسجلة وشبكاته الاقتصادية غير الشرعية.
من داخل "حزب الله"، يعتبر البعض أن الحزب اتخذ قرارًا حاسمًا بوقف الحرب مع إسرائيل، وهو ما تجسد بعدم الرد على ما يعدها خروقات إسرائيلية مستمرة. وفيما يتعلق بالانسحاب من جنوب نهر الليطاني، هناك تنسيق مع الجيش اللبناني، لكن السلاح في شمال الليطاني لن يكون مطروحًا في المرحلة الحالية. ويرى الحزب أن السلاح اللبناني مرتبط بإعادة النظر في الدستور اللبناني، الذي يعتبره غير منصف للطائفة الشيعية، بالإضافة إلى تطورات الوضع في سوريا، التي تفتح نقاشًا جديًا حول حماية البقاع، في ظل ما يراه الحزب من ضعف في قدرة الجيش اللبناني على حماية الحدود الشرقية والشمالية.
التعليقات على الموضوع